تركي العسيري - الجزيرة السعودية ينبغي ألا تمرُّ حوادث الانتحار، التي تصفعنا عبر صفحات الحوادث في مطبوعاتنا كل يوم، والتي يقدم عليها بعض الشباب اليائس (رجالاً ونساء)، مرور الكرام، وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد؛ فالانتحار قمة اليأس والقنوط والجنون، والانتحار جريمة بكل المقاييس الدينية والاجتماعية والإنسانية؛ فالمنتحر إنسان تتملكه حالة مرعبة من الانهيار والدمار، وتسكنه آلاف الشياطين، وآلاف الأفكار الشريرة! وفي تصوري أن الوعظ وحده لا يكفي. الوعظ يصلح لمن يملك أدنى استعداد للتصالح مع الذات ومع الآخر، أما المنتحر فالأمر مختلف.. لدرجة تتساوى فيها لديه الأشياء.. وهنا تنعدم سلطة العقل، وتسود لغة التدمير والموت الرخيص؛ لذا ينبغي أن نخضع هذه الظاهرة الممقوتة للبحث والاستقصاء، وتحديد الأسباب الحقيقية التي تدفع بإنسان ما وتحت واقع نفسي معين إلى أن يضع حداً لحياته.. وهذه بالطبع مسؤولية علماء الاجتماع والنفس بعد أن أصبحت هذه الأعمال ظاهرة يومية بعد أن كانت عملاً نادراً. وفي تقديري أنه لم يعد من المقبول أن نعلق كل (جرائم) الانتحار على شماعة (المرض النفسي) والمخدرات.. وهي لا خلاف أسباب غير مبرأة.. غير أن ثمة أسبابا لا تقل خطورة عن ذلك.. كالبطالة التي تضرب (أطنابها) في مئات الألوف من الشباب، وقهر الفتيات والنساء داخل أسوار المنزل؛ حيث أصبحن ضحايا لظلم وتسلُّط الأهل والزوج والأقارب.. وكأنهن كائنات شريرة قدمن من كوكب آخر.. لا بشر تربطنا بهن رابطة الدم والقربى والعشرة ومن حقهن علينا أن نراعي مشاعرهن ونزيل الاحتقان الواقع في نفوسهن من جراء الظلم والاضطهاد.. ولك أن تتصور أي حالة تكون عليها امرأة عاملة تدفع مرتبها لزوجها من أجل بناء منزل.. حين يتنكر لها.. أو (يلهف) رواتبها وعرق جبينها ويتزوج عليها! تزوج - يا سيدي - بمن شئت، لكن بشرط ألا يكون ذلك من (فلوس) امرأتك الغلبانة!! وعلينا أن نعي جيداً أن هؤلاء المنتحرين هم من جلدتنا، والمقيمين بيننا، ومن حقهم علينا أن نقف معهم ونعالج أمراضهم. الدور كما أعتقد معقود على المؤسسات الحكومية ذات العلاقة؛ لعلاج هذه الظاهرة.. علها تصل إلى حل.. والحل معروف كما أتصور! وأرجو ألا يفوتني أن أشير إلى أن ظاهرة الانتحار لم تعد محصورة فيمن ذكرت؛ بل أصبحنا نقرأ عن حالات مماثلة بين العمالة، والمنزلية منها على وجه الخصوص؛ نتيجة لما تتعرض له من تعسف وغمط الحقوق والظلم.. فالظلم ظلمات، وعلى الظالم (المفتري) أن يتذكر أن هؤلاء بشر لهم حقوق وواجبات، وإذا كان في مقدورنا أن نظلمهم الآن فأين نذهب من قدرة المولى - عز وجل - على إنصافهم يوم الحساب الأكبر. لستُ واعظاً دينياً.. ولكنني كاتب يقرع جرس الإنذار من خطورة هذه الظاهرة التي ينبغي ألا نتعامى عن وجودها، وضرورة البحث عن حلول لمسبباتها. إن مَنْ يقدم على الانتحار إنسان فَقَد كل ثقة بالله وبالناس وبالحياة، وهذه قمة الخطورة والمأساة. هل يمكنني أن أقول لمن يفكر في هذه الحالة المزرية: لا تيأس يا صديقي، ثق بأن حياتك ليست ملكاً لك.. بل هي ملك لواهبها.. ثق بأن الله رحيم، وهو القادر لا غيره على أن يجعل لك من كربك مخرجاً، ومن عسرك يسراً، وهو القادر وحده على أن يفتح باباً من الفرج والخير والسعادة.. واستعن بالله!!