الأموال التي تصرف لترميم البيوت الأثرية القديمة في منطقة جدة التاريخية تشبه وضع كيس الأملاح المغذي أو الجلوكوز لمريض مصاب بهشاشة العظام، ويدل على ذلك ما نسمعه بين فترة وأخرى عن حريق في أحد هذه البيوت سواء كان متعمدا أو غير متعمد، وعن انهيار بيت أوأكثر بعد موسم الأمطار، وبعض الملاك يفرح إن احترق بيته أو انهار حتى يستطيع أن يتصرف فيه بالبناء بدل الحال الواقف الذي عليه المنزل الذي لا يستفيد منه إلا بشكل ضئيل جدا مع السمعة التاريخية التي حصل عليها مما يذكره بالمثل المشهور «متنا من الجوع وانفقعنا شياخة» والحال التي تعيشها هذه المنطقة هي التي سببت تعطل ضمها إلى قائمة التراث العالمي في اليونسكو أو أخرتها على الأقل لأنها لم تتناول الأمر بجدية واهتمام كما تناولت الهيئة العليا لتطويرالرياض منطقة الدرعية التاريخية حتى أدرجت ضمن التراث العالمي، والتفكير الذي تدار به عملية الترميم لا يتجاوز السماح لكثير من العمالة بالسكن في هذه البيوت بهدف ضمان ترميم سكانه المستمر لها بحسب الحاجة وهو أمر ضرره أكثر من نفعه لأن الترميم يتم في حالة الضرورة وبالحد الأدنى وبأسلوب بدائي وعشوائي. عندما احترقت مدينة شيكاغو أعيد بناؤها على نفس الطراز القديم ودمر الزلزال قلعة جزيرة كريت في اليونان فأعيد أيضا بناؤها على نفس النمط، ودمر جزء من قلعة صلاح الدين في الأردن فأعيد ترميمها وبناؤها على نفس الطراز، وقامت الدوحة بهدم سوق واقف وإعادة بنائه بنفس التصميم وأصبح رافدا تجاريا ومعلما من معالم العاصمة القطرية، بينما أبرز البيوت التجارية مثل بيت نصيف وقابل والجمجوم والشربتلي وناظر والعشماوي وباعشن مهملة ومنهارة ولا يوجد من يهتم بها أو يرممها حسب تصريح عمدة الشام والمظلوم ملاك باعيسى، وأقصى ما يمكن عمله وضع بعض الحوافز للأهالي لإعادة ترميم المباني وتحويل بيت باناجة إلى مطعم يعود ريعه إلى جمعية خيرية، وكل هذا اجتهاد جيد بحدود الإمكانات الضعيفة يطيل عمر المريض ولكن لا يشفيه، ولا بد من حل جذري وجراحة حقيقية تتمثل في نزع ملكياتها على غرار العشوائيات ثم يرمم ما يمكن ترميمه وهدم المتهالك وإعادة بنائه على نفس الطراز وتتحول إلى منطقة سياحية تحوي مطاعم ومتاجر للتحف والهدايا ومقاه وتدارعلى أسس تجارية، وبدون ذلك نحن نلعب في الوقت الضائع وليس بدل الضائع.