في أحد مقاطعه الطريفة؛ تحدث اللاعب الفيلسوف يوسف الثنيان عن معسكرات المنتخب، وعن لاعبين كانوا قمة في الانضباطية والانتظام، ومع ذلك يكونون أول المنسّقين. الثنيان لم يكن بهذا القدر من الانضباط لكنه أصبح من أساطير الكرة السعودية. وربما لو كان في وقتنا هذا، واقترنت مهاراته بالجديّة لأصبح لاعباً عالمياً. الشاهد أن الموهبة أهم من الانضباط، خاصة في المجالات التي تعتمد على الإبداع لا العمل الروتيني، كالكتابة الإبداعية التي تتطلب أن يكون الكاتب موهوباً أولاً، يقول «بوكوفسكي» في الموهبة «إن كذبت على شخص بشأن موهبته لمجرد جلوسه قبالتك، تكون ارتكبت أسوأ الأكاذيب المميتة، لأن ذلك معناه تشجيعه على الاستمرار، وهذا أسوأ سبيل لرجل لا يملك موهبة حقيقية ليضيّع حياته في نهاية الأمر». الموهبة لا تُصنع في الأندية الأدبية، ولا بالانشغال بشلليات الكتاب وتملقاتهم، الموهبة في طريقها إلى الإبداع تلتقط من محيطها ما يغذيها دون تكلف وتصنع، وتكره الإرغام والإجبار. في روايته «الجوع» – التي قيل إنها سيرة لبدايات حياته – يسرد الروائي النرويجي «كنوت هامسون» حاله مع الكتابة، ومع حاجته الملحة لها كأمان من الفقر والجوع؛ إلا أنها كانت عصية على الهطول، تأتيه حينما تشتهي، لا حينما يجوع. هي كذلك، لا تجدها في «بشوت» المثقفين ووفودهم ومؤتمراتهم، بل تختار من تشاء من البسطاء الموهوبين، وتقتنص لحظاتها الإبداعية وكأنها مراوغة للثنيان.