أشدت في مقال سابق بقرار وزارة الصحة بتغيير مُسمى «العيادات النفسية الأولية» إلى «العيادات الإرشادية الشاملة» كخطوة أولى للسعي لتبديل المفاهيم تجاه المرض النفسي لمزيد من القبول لمن يعاني الاضطراب النفسي ولكسر حاجز طلب المساعدة المهنية من المختصين، قُوبل ذلك المقال بعدم الرضا من قبل عديد من المختصين في المجال، على افتراض أن القرار يُفضي لمزيد من الوصمة تجاه المرض النفسي، لعلني هنا لا أتفق مع من يُعارض القرار، ولكنني أُؤكد أن القرار بمفرده لن يحل المشكلة ما لم تتبعه خطوات عملية ومهنية لزيادة مستوى الوعي النفسي وللقضاء على وصمة العار «Destigmatization» المُلحقة بالمرض والمريض النفسي. لا يُنكر إلا مُخالف «معلوم الخلاف» من أن هناك اتجاهات سلبية نحو المرض النفسي في مُجتمعنا مُقارنة بالمُجتمعات الأخرى، فقبل ما يزيد على عقد من الزمن نشرت بحثين في المجلة الدولية للطب النفسي الاجتماعي البريطانية «TheInternational Journal of Social Psychiatry» حول اتجاهات «العامة ومُختصي الصحة النفسية» نحو الهلوسة السمعية، التي تُشكل حجر زاوية للمرض العقلي، في كل من السعودية وبريطانيا، فكانت النتائج أن كلا «العامة والمُختصين» لدينا يحملون اتجاهات سلبية نحو العرض عكس البريطانيين، ومن ثم أعدت دراسة مُشابهة عن اتجاهات طلبة كلية الطب نحو المرض النفسي قبل وبعد إتمام دورة الطب النفسي «Clerkship»، فكانت النتائج أن اتجاهات الطلبة نحو سببية وعلاج المرض قد تغيرت إيجابا، ولكن النظرة في «بعدها الاجتماعي» لم تتغير بعد نهاية مدة التدريب. يُشير الجميع إلى أننا مُجتمع نحمل اتجاهات سلبية نحو المرض والمريض النفسي، وأن مثل هذه النظرة القاصرة لن تتغير ولن تتبدل من خلال استبدال المُسميات فقط، بل التغيير يأتي من خلال حملات وطنية توعوية مُنظمة للتعريف بالمرض النفسي وطرق علاجه والتعامل معه في بيئته الاجتماعية الأم، وليس من خلال العزل بما يُعرف بالمستشفيات والدهاليز النفسية المُغلقة، رغم الحاجة الماسة لها في انعدام البديل وتعديل نظام الصحة النفسية، ولعل وزارة الصحة مشكورة تُكمل المسيرة لصحة نفسية أفضل للجميع. مازال هناك بقية لحديث.