كشف متخصصون في الصحة النفسية عن زيادة ملحوظة للمراجعين في العيادات النفسية مقارنة بالأعوام السابقة بمعدل 30 مريضا يوميا، مشددين في الوقت ذاته على أهمية توعية المجتمع وتثقيفه تجاه رؤيته للمرضى النفسيين ومحاولة إزالة الوصمة الاجتماعية التي تلحق بهؤلاء المرضى، إلى جانب العمل على تغيير المفهوم السائد لدى الأغلبية بأن الاعتلال النفسي راجع إلى اعتلال بالعقل؛ ما يخلق حالة من التخوُّف لديهم تجاه المصحات والمراكز النفسية. افتتاح مركز للقياس والعلاج النفسي وأوضح الدكتور محمد الزهراني المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية في اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي نظم في الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية، السبت الماضي، تحت شعار (صحة متكاملة)، أن عيادات المجمع الأربع تعمل، ويراجعها أكثر من 30 مريضا يوميا؛ ما يدل على زيادة أعداد المراجعين للعيادات النفسية. لافتا إلى أنه سيتم افتتاح مركز للقياس والعلاج النفسي في المنطقة الشرقية يجمع جميع المقاييس النفسية الإكلينيكية، ويحتوي على عيادات العلاج النفسي والاسترخاء بوصفه أول مركز على مستوى السعودية، وذلك قبل نهاية العام الجاري، إلى جانب تشكيل فريق عمل لتطوير برامج الصحة النفسية في برنامج علاج الإدمان، يبدأ عمله العام المقبل. وأشار الزهراني إلى سعي مجمع الأمل للتوسع في بناء قاعدة معلوماتية نفسية تشمل كافة فئات المجتمع، إلى جانب تكوين فريق عمل في قسم علاج الإدمان لتطوير البرنامج العلاجي، بدأ عمله من شهر رجب هذا العام ويستمر حتى جمادى الآخرة من العام المقبل، ويقوم هذا الفريق بمراجعة جميع الإجراءات العلاجية بدءا من وصول المريض إلى المجمع حتى إنهاء برنامجه في مركز الرعاية المستمرة. وتابع: “يراجع هذا الفريق السياسات والإجراءات ويتأكد من تطبيقها على أرض الواقع، كذلك يشرف على ويدرب أعضاء الفريق المعالج من خلال البروتوكولات العلاجية التي صدرت هذا العام، وهي ثمرة جهد استمر أربع سنوات، ونتاج لتجارب وخبرات علمية وعملية من قِبل مختصين قائمين ومتابعين ومشرفين تتصف بالمصداقية والواقعية والديناميكية حسب ظروف كل مريض، تهدف إلى التوصل إلى تغيير واقعي ملموس في البرنامج العلاجي بشكل إجرائي بكل مرحلة من مراحل هذا الفريق”. ولفت الزهراني إلى استحداث العمل في العيادات الخارجية فيما يخص برنامج علاج الإدمان كحل مطروح للتغلُّب على قوائم الانتظار. مشيرا إلى حزمة من البرامج التدريبية المعتمدة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي يعكف المجمع على تنفيذها الشهر المقبل، وهي دورة الخدمة الاجتماعية الطبية والعلاج المعرفي للاكتئاب وعلاج الإدمان ودورة في الطب النفسي الشرعي. إزالة الوصمة الاجتماعية من المرض بدوره أكد الدكتور طارق السالم المدير العام للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية أهمية الصحة النفسية في سرعة الشفاء من سائر الأمراض؛ نظرا إلى العلاقة السببية بين الأمراض النفسية والجسدية. وحث السالم على التعامل مع المريض النفسي بخصوصية نظرا إلى حاجته إلى الرعاية الخاصة والاهتمام في سبيل تحقيق النجاح في مراحل علاجه، بدءا من محيط الأسرة والمجتمع والمستشفى، علاوة على قدرة المريض النفسي على التعايش الأفضل في هذه الحياة بمجرد إزالة الوصمة الاجتماعية التي تلحق به. مشيرا إلى اهتمام الدولة بهذه الشريحة من المرضى، وهو ما نتج منه زيادة ملحوظة في عدد الأطباء السعوديين المتخصصين في الصحة النفسية، إلى جانب زيادة ملحوظة في وظائف الاختصاصين الاجتماعيين والنفسيين قاربت ما نسبته 100 في المئة. من جانب آخر أرجع الدكتور أحمد العلي نائب المدير التنفيذي بمستشفى سعد التخصصي أسباب الإصابة بالاعتلالات النفسية إلى التغيير السريع في نمط الحياة وتداخل وتقارب الشعوب والعادات واختلاف الديانات والتنافس القوي للاقتصاد مع الاقتصاد المفتوح والحر وطلب الرزق؛ ما ينعكس على الأفراد ويؤثر في نسبة حدوث الاعتلالات النفسية وزيادتها. لافتا إلى دراسة مسحية لمنظمة الصحة العالمية 2002 أفرزت وجود 154 مليونا في العالم يعانون الكآبة، و25 مليون شخص يعانون الشيزوفرينا (انفصام الشخصية)، ومليون شخص انتحروا في ذلك العام، وخمسة ملايين حاولوا الانتحار. وعزا العلي الأسباب التي تحول دون علاج هؤلاء المرضى إلى عدم المعرفة بالمرض ممن حوله وعدم معرفة الإمكانيات المتوافرة لعلاجهم وخدمتهم ليعودوا أصحاء بشكل طبيعي. وأضاف: “المصابون يعانون عزلهم وانعزالهم عن المجتمع، ومستوى معيشيا متدنيا، ونسبة أعلى في الوفيات لعدة أسباب؛ ففي السعودية والدول العربية يعانون رفض المجتمع لهم وعدم تفهُّم طبيعة مرضهم ومد اليد لهم والتعاون معهم ليخرجوا من تلك المرحلة التي قد يتعرض لها أي منا؛ حيث كثير من الناس يعتقد أن الأمراض والاعتلالات النفسية هي عقلية وتحدث بسبب اعتلال بالمخ، وكثير منهم يتفادى المصحات ومراكز العلاج النفسي تخوُّفا من المجتمع ونظرة الناس؛ ما يتسبب في تأخر العلاج وتطور الحالة”. وألقى العلي اللوم على المجتمع وعلى الجهات المسؤولة في زيادة جرعات التوعية لدى الأفراد والأسر وتثقيفهم وزيادة المراكز العلاجية وسهولة الوصول إليها، إلى جانب أهمية اطمئنان النفس والتقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ. واقترح أهمية مناقشة التغطية التأمينية الكاملة للمريض النفسي عن طريق الاجتماع مع شركات التأمين والجهات ذات العلاقة؛ ما يدفع بعجلة العلاج النفسي إلى الأمام.