إذا كان التشجير ضروريا لمقاومة تصحر أرض الجزيرة العربية، فإن الرومانسية ضرورية لمقاومة تصحر روحها، هذه المدرسة الأدبية أو بالأحرى الثقافية التي توهجت ثم خبت، تركت آثارا عظيمة في الأدب العالمي، وما زال تأثيرها حاضرا فيه، غير أن حضورها في الجزيرة العربية ظل خافتا لأن الطبيعة الشرقية ترى الرومانسية تميعا وترققا، وتجعلها مضادا لمظاهر القوة والشجاعة. ولو دقق نقادها ومناوئوها لوجدوها رديف الشجاعة وأحد محفزاتها، فالحركة الرومانسية ارتبطت تاريخيا بالثورة الفرنسية، وساهم روادها الأوروبيون في محاربة الظلم الاجتماعي، منهم مثلا الشاعر الإنجليزي شيلي الذي يقول عن الشعراء «هم الأبواق التي تدعو إلى المعركة، هم القوة التي تحرك الأشياء ولا يحركها شيء». وكان من توجه الرومانسية لتقدير وتأمل الطبيعة أن كرّمت الفلاح، ودعمت الانتفاضة على الإقطاع. ولأن التعميم ظلم، فلا بد من الإشارة إلى أن العرب لم يعدموا من رفع لواء الحب في منطقة الأزمات والحروب، فقد انتبهوا حتى في جاهليتهم إلى علاقة الحب بالقوة، حين ذكر عنترة بن شداد حبيبته عبلة في عز المعركة، فقال: ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ/ منّي وبيض الهند تقطر من دمي. وفي عصرهم الحديث، يرد أنبغ شعرائهم نزار قباني على منتقديه قائلا: آه لو يدرك من يقرؤني؛/ أنّ ما أكتبه في الحبّ/ مكتوبٌ لتحرير الوطن. وعبر جاسم الصحيح أيضا عن علاقة العشق بمناوأة الطغيان، بقوله: وإذا زاد عاشقٌ قلّ طاغٍ/ فاعشقيني لكي يقلّ الطغاةُ.