بدأ أمس خروجُ المقاتلين وعائلاتهم من داريا المدمرة قرب دمشق، طبقاً لاتفاقٍ بين النظام والمعارضة يقضي بإخلاء الآلاف من المدينة التي لطالما اكتست رمزيةً خاصةً لدى المناهضين لبشار الأسد. وذكر شهود أن مغادرين عبَّروا عن حزنٍ بالغ بعد اضطرارهم إلى هذه الخطوة. وبالتزامن مع عملية الإخلاء التي تأتي بعد نحو 4 سنواتٍ من الحصار؛ تتواصل الجهود الدبلوماسية الساعية إلى استئناف مفاوضات السلام بين النظام ومعارضيه. وجمع لقاءٌ أمس في جنيف وزيرَي الخارجية الأمريكي، جون كيري، والروسي، سيرغي لافروف. وأمس الأول؛ توصَّلت حكومة الأسد وفصائل معارِضة في داريا إلى اتفاقٍ يقضي بخروج 700 مقاتل إلى إدلب «شمال غرب» و»4 آلافٍ من الرجال والنساء مع عائلاتهم إلى مراكز إيواء» بدءاً من الجمعة، فضلاً عن تسليم المقاتلين لسلاحهم. ولاحظ ناشطٌ في داريا، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أن «هناك قهراً كبيراً بين السكان». وأوضح «ذهبت الأمهات إلى المقابر لتوديع الشهداء، إنهن يبكين على المدينة أكثر مما بكين حين سقط الشهداء». وعند مدخل المدينة الشمالي؛ ذكر مصدرٌ أن «عدد المقاتلين الذين سيخرجون الجمعة مع عائلاتهم هو 300»، مبيِّناً أن كل مقاتل «سيخرج ببندقية واحدة فقط»، على أن تُستكمَل عملية الإخلاء اليوم. وبالفعل؛ أفادت مراسِلة صحفية عند هذا المدخل ببدء مقاتلين وعائلاتهم في الخروج، ملاحِظةً أن غالبية ركاب الحافلة الأولى كانوا من النساء والأطفال والمسنّين، ورافقتهم سيارة أمنية وأخرى تابعة للهلال الأحمر. وأشارت المراسِلة إلى قافلة أولى من سيارات الهلال الأحمر دخلت إلى المدينة الجمعة، ولحِقَها عددٌ من الحافلات. وفيما سيتجه الرافضون للتصالح مع النظام إلى مدينة إدلب «شمال غرب» التي تسيطر عليها فصائل معارِضة؛ سيتجه آخرون إلى منطقة حرجلة الواقعة في الغوطة الغربية تحت سيطرة حكومة دمشق. وأعلن مجلس داريا المحلي أن «الأسر المدنية ستتوجه إلى بلدة حرجلة (…) ومن هناك يتوزعون إلى المناطق التي يرغبون في التوجه إليها». وأظهرت صورةٌ نشرها المجلس على صفحته في «فيسبوك» أحد الشبان وهو يقبِّل اسم داريا على أحد الجدران. وللمدينة رمزية خاصة لدى المعارضة، لأنها كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد الأسد في مارس 2011. كما أنها خارجة عن سلطته منذ 4 سنوات بعدما تحولت الاحتجاجات إلى نزاعٍ مسلح نتيجة قمع المحتجين بعنفٍ بالغ، وهي من أولى البلدات التي فرضت قوات النظام حصاراً عليها. وأفاد أحد مقاتلي الفصائل المعارضة في داريا، عبر الهاتف، بأن المدينة تعيش اليوم «أصعب اللحظات، الجميع يبكي، الطفل يودع مدرسته، والأم تودع ابنها الشهيد عند قبره». ويجمعُ السكان، وفق قوله، أغراضهم المتواضعة المتبقية «لتبقى معهم ذكرى ل 4 سنوات من الحصار والجوع والقصف، ولتبقى ذكرى لمجتمع دولي خذلهم دون أي ذنب». وستحتاج عملية الإخلاء إلى 4 أيام قبل أن يدخل جيش الأسد، وفق مصدرٍ ميداني. ويعيش نحو 8 آلاف شخص في المدينة الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب غربي العاصمة، وهي أيضاً مجاورة لمطار المزة العسكري حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية. وذكَّر المقاتِل المعارِض في المدينة بأن قرار التوصل إلى اتفاقٍ مع الحكومة على الإخلاء أتى «بعد صمود دام 4 سنوات»، عازياً القرار إلى الوضع الإنساني المتدهور والقصف المتواصل «فكان لا بد من حماية المدنيين». وشدد «المدينة لم تعد صالحة للسكن، باتت مدمرة تماماً»، إذ كانت تتعرض للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يوميّاً، فضلاً عن القصف المدفعي والغارات الجوية ما أسفر عن دمارٍ هائل فيها. وكانت المدينة قبل الحرب تضم حوالي 80 ألف نسمة. لكن هذا العدد انخفض بنسبة 90 %، وواجه السكان طوال سنوات الحصار نقصاً حادّاً في الموارد. ودخلت في شهر يونيو الماضي أول قافلة مساعدات إليهم منذ بدء محاصرتهم في 2012. وعند مدخل المدينة الشمالي؛ كُتِبَ على أحد جدران الأبنية «داريا الحرة مع تحيات الجيش الحر». وفي جنيف؛ بدأ الوزيران كيري ولافروف اجتماعاً في فندقٍ على ضفاف بحيرة ليمان لبحث استئناف المفاوضات السورية. وانضم إليهما لاحقاً الموفد الأممي الخاص بالأزمة، ستافان دي ميستورا، الذي صرح الخميس «هذا اللقاء سيكون مهمّاً، وقد يكون له تأثير على استراتيجية لاستئناف المفاوضات». وأخفقت منذ يناير الماضي جولات عدة من المفاوضات السورية غير المباشرة برعاية الأممالمتحدة. وأسفر النزاع، الذي بدأ في مارس 2011 بحركة احتجاجٍ سلمية قمعها الأسد بقسوة، عن مقتل أكثر من 290 ألف شخص، وتسبَّب في دمارٍ هائل في البنى التحتية وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.