تعهدت أنقرة بعدم «الانتقام» من الانقلابيين، فيما جدَّدت انتقادها لاعتراض الاتحاد الأوروبي على عودةٍ محتملةٍ لعقوبة الإعدام. في غضون ذلك؛ كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن خطواتٍ لإعادة هيكلة الجيش بغرض «ضخ دماءٍ جديدة». «لا انتقام» وبعد تفقُّده أمس مواقعَ قصفها الانقلابيون؛ أعلن رئيس الوزراء، بن علي يلديريم، أن حكومته «لن تسعى للانتقام» ممن يُشتبَه في مشاركتهم في الانقلاب الفاشل. ووصف رئيس الوزراء بلاده ب «دولة قانون لا تتصرف بمنطق الثأر ولا تفعل ما فعله الانقلابيون». وشدَّد في تصريحاتٍ تليفزيونية «سنتصرف بعدل لكننا سنحاسب على كل قطرة دم»، داعياً مواطنيه إلى الاطمئنان وعدم الانسياق وراء أي استفزاز «فحكومتنا ومؤسساتنا تسيطر على الوضع». ودعاهم أيضاً، من مقر قوات الشرطة الخاصة في غولباسي قرب أنقرة، إلى الاستمرار في «تنظيم تجمعاتٍ في الساحات العامة دفاعاً عن الديمقراطية في أجواءٍ من الأخوَّة والوحدة والتضامن». وكان 50 شخصاً قُتِلوا جرَّاء قصف الانقلابيين مقر القوات الخاصة المدمَّر حالياً. ومنذ ال 16 من يوليو الجاري؛ ينزِل عشرات آلاف الأتراك كل ليلةٍ إلى الشوارع لدعم أردوغان وإظهار استيائهم من الانقلابيين. ونعت ابن علي يلديريم الانقلابيين ب «الوحوش». وتساءل «هل هناك إرهابي أكبر ممن يسحق شعبه بالدبابات ويقتل شعبه بالرصاص؟»، متابعاً «لسنا في سوريا ولا في فلسطين، إننا في وسط أنقرة». وأوقعت محاولة الانقلاب، التي بدأت مساء ال 15 من يوليو، 265 قتيلاً بينهم 24 انقلابيّاً. ولاحقاً؛ وضعت السلطات أكثر من 10 آلاف شخصٍ على ذمة التحقيق، وأودِعَ 4 آلاف و60 السجون. ويتهم القضاءُ هؤلاء بالمشاركة في محاولة الانقلاب بتخطيطٍ من رجل الدين المقيم في الولاياتالمتحدة منذ سنوات، فتح الله غولن. سجالٌ مع أوروبا وعن إمكانية إعادة العمل بالإعدام؛ اعتبر وزير العدل، بكير بوزداج، أن على بلاده تقييم المطالبات بإعادة العقوبة من منظورٍ قانوني «وليس وفقاً لما يقوله الاتحاد الأوروبي». وأشار بوزداج، في تصريحٍ لتلفزيون «سي إن إن ترك»، إلى «مطالبة الناس بهذه العقوبة»، مؤكداً «سيُقيَّم هذا المطلب بكل تأكيد». وقد تثير تصريحاته مزيداً من عدم الارتياح لدى الغرب القلِق من عدم الاستقرار ووضع حقوق الإنسان في تركيا التي يسكنها 80 مليون نسمة. ويتهم الرئيس أردوغان فتح الله غولن بتدبير محاولة الانقلاب التي انهارت في وقتٍ مبكرٍ السبت الماضي. وأودت المحاولة الانقلابية بحياة أكثر من 246 شخصاً من جانب القوات الحكومية والمدنيين، وأسفرت عن إصابة أكثر من 2100 آخرين. لكن الغرب يعبِّر عن قلقٍ متنامٍ بعد شنِّ حكومة أنقرة حملةً تشمل التوقيفَ وتجميد المهام على أنصار غولن في أجهزة الجيش والأمن والقضاء والسلك التعليمي. وأعلن أردوغان الأربعاء إقرار حالة الطوارئ، وهي خطوةٌ قال إنها ستسمح باتخاذ إجراءاتٍ سريعةٍ ضد مدبِّري الانقلاب الفاشل. وزاد احتمال إعادة عقوبة الإعدام، التي ألغتها أنقرة عام 2004، من توتُّر علاقات الأخيرة بالاتحاد الأوروبي الذي تسعى إلى الانضمام إليه. وذكر مسؤولون أوروبيون أن العمل مجدَّداً بالعقوبة سيضع نهايةً فعليةً لعملية الانضمام. وأسفرت الحملة على جماعة غولن عن تجميد عملِ نحو 60 ألفاً من جنود الجيش والشرطة والقضاة والموظفين الحكوميين والمعلمين عن العمل. ومن بين هؤلاء من احتُجِزَ أو خضع لتحقيقات. واتهم الوزير بوزداج أنصار غولن المسلَّحين باختراق القضاء والجامعات ووسائل الإعلام والقوات المسلحة. بينما ينفي غولن أي دورٍ له في محاولة الانقلاب، متهماً الرئيس نفسه بتدبيرها. وتريد أنقرة من واشنطن تسليم غولن، في حين يدعو المسؤولون الأمريكيون إلى تقديم أدلة واضحة على تورطه. المجلس العسكري الأعلى وفي وقتٍ متأخرٍ مساء أمس الأول؛ أعلن الرئيس أردوغان أن المجلس العسكري الأعلى التابع للحكومة سيشرف على إعادة هيكلة القوات المسلحة. ويرأس رئيس الوزراء المجلسَ الذي يضم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان. وشرَح الرئيس قائلاً «هم جميعاً يعملون معاً بخصوص ما يمكن عمله، وفي غضون فترة زمنية قصيرة جدّاً سينبثق هيكلٌ جديد، ومع هذا الهيكل أعتقد أن القوات المسلحة ستشهد ضخ دماءٍ جديدة». ولم يستبعد أردوغان حدوث محاولة انقلابٍ جديدة «لكنها لن تكون سهلة لأن السلطات أكثر يقظة». وأشار، في مقابلةٍ مع «رويترز» أُجرِيَت في القصر الرئاسي بأنقرة الذي استهدفه الانقلابيون، إلى «فجواتٍ وأوجه قصورٍ كبيرة في مخابراتنا»، معتبراً أنه «لا جدوى من محاولة إخفاء ذلك أو إنكاره». في الوقت نفسه؛ رأى أنه لا توجد عقبات أمام مد حالة الطوارئ أكثر من 3 أشهر إذا اقتضت الضرورة. وهذا التعليقُ سيثير على الأرجح قلق منتقدين يخشون بالفعل من وتيرة الإجراءات الصارمة. وتسمح حالة الطوارئ باتخاذ إجراءات سريعة ضد مؤيدي الانقلاب. كما تسمح للرئيس ومجلس الوزراء بتجاوز البرلمان لسنِّ قوانين جديدة وتقييد أو تعليق حقوق وحريات عند الضرورة. بدورها؛ حذرت مجموعة محامين دوليين أنقرة من استخدام «الطوارئ» للتعدي على سيادة القانون وحقوق الإنسان، مشيرين إلى مزاعم تعذيب وإساءة معاملة لمن احتُجِزوا بعد الاعتقالات الجماعية. واعتبرت وزير الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، أن رد الفعل على الانقلاب الفاشل يجب ألا يقوِّض الحقوق الأساسية. وعلَّقت موجيريني على اعتقال وفصل قضاة وأكاديميين وصحفيين قائلةً «ما نراه في مجالات التعليم والقضاء والإعلام على وجه الخصوص غير مقبول». وبالنسبة لبعض الأتراك؛ أثارت حالة الطوارئ مخاوف من العودة إلى أيام الأحكام العرفية بعد انقلابٍ عسكري عام 1980؛ أو من العودة إلى ذروة تمردٍ كردي مسلح في التسعينيات. وعبَّرت أحزاب المعارضة، التي وقفت مع السلطات ضد محاولة الانقلاب، عن قلقها من «الطوارئ» خشية تركيز قدرٍ كبيرٍ من السلطات في يد الرئيس الذي لطالما اتهمه منافسوه بقمع حرية التعبير. وشدَّد أردوغان «سنواصل المعركة حيثما كانوا، هؤلاء الناس اخترقوا المؤسسات الحكومية في هذا البلد وتمردوا على الدولة». ووصفَ ما حدث ليل ال 15 من يوليو الجاري ب «غير إنساني» و»غير أخلاقي». ووفقاً لمسؤول كبير؛ اعتُقِلَ منذ هذه الليلة نحو ثلث جنرالات تركيا الذين لا يزالون في الخدمة وعددهم 360. وينتظرُ 99 جنرالاً المحاكَمة بعد توجيه اتهاماتٍ لهم، فيما لا يزال 14 آخرون محتجزون. وأفادت قناة «إن تي في» بأن وزارة الدفاع تحقِّق مع جميع القضاة والمدعين العسكريين وأوقفت 262 منهم عن العمل، في حين أوقف عن العمل أيضاً 900 ضابط شرطة في العاصمة الأربعاء الماضي. وامتد الاشتباه إلى الموظفين الحكوميين في وزارتي البيئة والرياضة. وبدأ سريان حالة الطوارئ الخميس بعدما أقرها البرلمان رسميّاً. عودة الكهرباء إلى إنجرليك في سياقٍ آخر؛ أعلن الجيش الأمريكي أمس عودة التيار الكهربائي إلى قاعدة إنجرليك الجوية جنوبي تركيا. ويستخدم التحالف الدولي ضد «داعش» القاعدةَ الجويةَ لشن غاراتٍ ضد التنظيم الإرهابي. وكانت السلطات التركية قطعت التيار الكهربائي عن إنجرليك السبت الماضي للاشتباه استخدام الانقلابيين لها لتزويد طائراتهم الحربية بالوقود. ومنذ قطع التيار؛ استخدمت القوات الأمريكية المولِّدات لمواصلة الغارات الجوية ضد مواقع تابعة ل «داعش» في سوريا المجاورة. وأكدت القيادة الأمريكية في أوروبا في بيانٍ لها، أنها ستحافظ «على هذه القدرة إذا انقطع التيار الكهربائي مجدداً». و«في الوقت الراهن؛ هناك إمداد مستمر بالوجبات الساخنة والمياه والوقود لموظفينا في تركيا»، كما أضاف البيان. وينتشر نحو 1500 عسكري أمريكي في إنجرليك. ونشرت الولاياتالمتحدة في هذه القاعدة طائرات دون طيار وطائرات حربية إلكترونية من نوع «برولر» وطائرات هجومية من نوع «إيه- 10». ودانت الولاياتالمتحدة محاولة الانقلاب، لكن دون انتقاد الإجراءات الاستثنائية التي اعتمدتها أنقرة لاحقاً خصوصاً إعفاء عسكريين من رُتبِهم وإقالة موظفين رسميين وقضاة ووضع أكثر من 4 آلاف شخص قيد الحجز الاحتياطي. والأربعاء؛ أكد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، دعم بلاده الحكومة الديمقراطية وإدانتها الانقلاب، رافضاً التعليق على إجراءات أنقرة. لكنّ حليفاً للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حثَّ الاتحاد الأوروبي على تعليق محادثات انضمام تركيا إليه. وقال هورست سيهوفر، وهو رئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الألماني، إنه «إذا ما لاحظنا كيف تقوِّض تركيا سيادة القانون؛ حينها يتعيَّن وقف هذه المفاوضات على الفور». واعتبر، في مقابلةٍ مع مجموعة «فونكه» الإعلامية، أن أي دولة ديمقراطية دستورية لا تتصرف بهذه الطريقة. وكانت ميركل أبلغت أردوغان، في مكالمة هاتفية الإثنين الماضي، أن بلاده لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي إذا أعادت العمل بعقوبة الإعدام. وصرَّح متحدثٌ باسم ميركل، في مؤتمر صحفي أمس، بأن برلين تراقب التطورات في تركيا، مشيراً إلى أن أي قرار بشأن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيُتَّخَذ بشكلٍ جماعي. فارُّون إلى اليونان على صعيدٍ مرتبطٍ بالانقلاب الفاشل؛ أعلن مصدرٌ في الشرطة اليونانية نقل 8 ضباط أتراكٍ إلى أثينا «حيث ستدرس السلطات طلباتهم للجوء». وأبان المصدر «تم إحضارهم إلى أثينا صباح الجمعة»، دون أن يؤكد المكان الذي يُحتجزَون فيه. ووفقاً له؛ فإن «سبب نقلهم هو أنه ستتم دراسة طلباتهم للجوء هنا». وطلب العسكريون الثمانية اللجوء في اليونان بعدما هبطوا بمروحيةٍ عسكريةٍ في مدينة ألكسندروبولي السبت الماضي. وسُمِحَ لهم بالهبوط بعدما وجهوا نداء استغاثةٍ إلى السلطات، وزعموا أنهم لن يحصلوا على محاكمة عادلة في بلادهم. ويُتوقَّع صدور أول قرار حول طلباتهم للجوء في مطلع أغسطس المقبل. وأمس الأول؛ أصدرت محكمة ألكسندروبولي حكماً بسجن الثمانية لمدة شهرين مع وقف التنفيذ بسبب دخولهم بطريقة غير شرعية. بينما لم تأخذ المحكمة بتهمة «عدم الإبلاغ عن مسار الرحلة بالمخالفة لقانون المطارات»، معتبرةً أن الطائرات المدنية وحدها ملزَمة بالإبلاغ عن «مسار الرحلة». وتتابع أنقرة هذه المحاكمة عن كثب، وتتهم العسكريين الفارّين بالمشاركة في محاولة الانقلاب، مطالِبةً بتسليمهم ليحاكَموا لديها. وهذه القضية تضع أثينا في موقفٍ حرج وتهدد علاقاتها مع الدولة المجاورة. والعلاقات بين البلدين لا تزال تتسم بحساسية رغم تحسُّن كبير طرأ عليها في السنوات الأخيرة على صعيد التعاون الاقتصادي.