بين «مستقبل أكثر إشراقاً مع البقاء» و»الفرصة الأخيرة لحسم الخروج»؛ صوَّت البريطانيون أمس في استفتاءٍ على عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي، فيما يُنتظَر إعلان النتائج في ساعةٍ مبكرةٍ من صباح اليوم الجمعة. وفتحت مراكز الاقتراع في 382 منطقة محلية أبوابها في السادسة من صباح أمس بتوقيت جرينتش، وأغلقتها في ال 9 مساءً. وأدلى رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، بصوته في وقتٍ مبكر، وكتب في تغريدة على «تويتر»: «صوِّتوا لصالح البقاء حتى يتمتع أولادنا وأحفادنا بمستقبل أكثر إشراقاً». ويعتقد معسكر «البقاء» أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيُحدِث فوضى مالية. فيما يرى معسكر «الخروج» أن الاقتصاد الداخلي سيستفيد من مغادرة الاتحاد. واعتبر رئيس بلدية لندن السابق وزعيم معسكر «الخروج»، بوريس جونسون، أن «هذه هي الفرصة الأخيرة لحسم الأمر». وكانت الحكومة دعت إلى الاستفتاء تحت ضغطٍ من حزب المحافظين الحاكم وحزبٍ مناهضٍ للاتحاد الأوروبي يتزايد نفوذه. ومن المتوقَّع إعلان معظم النتائج بين ال 1 وال 3 من صباح الجمعة. وقبل التوجه إلى صنديق الاقتراع؛ انقسمت البلاد في حملةٍ مريرةٍ بين معسكرين، فيما يتابع السياسيون وأسواق المال في مختلف أنحاء العالم الموقِف بتوتر. وأظهر استطلاعٌ أجرته مؤسسة «إبسوس موري» لصالح صحيفة «إيفننج ستاندرد» البريطانية يومي الثلاثاء والأربعاء تحقيق المؤيدين ل «البقاء» نسبة 52%، في حين حقق أنصار «الخروج» 48%. وأظهر استطلاعان آخران نُشِرَت نتائجهما في وقت متأخر الأربعاء تقدماً متواضعاً لمعسكر «البقاء». لكن مجمل الصورة أظهر صعوبةً في التنبؤ بنتيجة الاستفتاء. وبدا الأصغر سناً أكثر تأييداً للاتحاد الأوروبي من أولئك الأكبر سناً، مع ترجيحاتٍ بإقبالٍ أقل على التصويت من جانب الشباب. في غضون ذلك؛ استعد المتعاملون والمستثمرون والشركات لتقلباتٍ في الأسواق المالية أيا كانت النتيجة، ولوحظ ذلك في الولاياتالمتحدة وأماكن أخرى في أوروبا. وارتفع الجنيه الإسترليني أمس بنسبة 1.5% أمام الدولار ليتخطى مستوى 1.49 دولار للمرة الأولى منذ ديسمبر 2015، مع إظهار أحدث استطلاعات الرأي تقدم مؤيدي «البقاء». ووفق مصادر مطَّلعة؛ سيصدِر كبار المسؤولين الماليين في دول مجموعة السبع بياناً يؤكد استعدادهم لاتخاذ كل الخطوات اللازمة لتهدئة الأسواق إذا صوَّتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وذكر مسؤول التصنيفات السيادية في مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، موريتز كرايمر، لصحيفة «بيلد» الألمانية أن المؤسسة قد تخفض سريعاً التصنيف الائتماني الممتاز لبريطانيا إذا خرجت من الاتحاد. وحاول أنصار المعسكرين البريطانيين أمس الأول استمالة حوالي 10% من الناخبين المسجَّلين البالغ عددهم 46.5 مليون، لكون هذه النسبة لم تكن حسمت موقفها بعد كما أظهرت الاستطلاعات. ورسمت استطلاعات الرأي صورة لبلد منقسم بشكل حاد مع اختلافات كبيرة بين الناخبين الأكبر سناً والناخبين الشبان وبين لندن واسكتلندا المؤيدتين للاتحاد الأوروبي من جهة ووسط انجلترا الذي ينظر بشكوك إلى أوروبا من جهةٍ ثانية. وانعكس الانقسام في عناوين الصفحات الأولى للصحف البريطانية. وخرجت صحيفة «صن»، الأوسع انتشاراً، بعنوان «يوم الاستقلال». في حين خرجت «ميرور» بعنوان تحذيري «لا تقفز إلى الظلام». وحاز الاستفتاء اهتمام صحف خارج بريطانيا. ففي الصين؛ حذرت مطبوعة «جلوبال تايمز» التي تنشرها صحيفة «الشعب» اليومية الرسمية من أن لندن ستفقد نفوذها عالمياً إذا صوَّت الناخبون لصالح «الخروج». وأياً كانت نتيجة الاستفتاء؛ فإن التركيز على الهجرة إلى المملكة المتحدة والتي زادت بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية ربما يفاقم الانقسامات في بلدٍ تتسع فيه أيضاً الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وإذا فاز معسكر «الخروج»؛ فإن الزعيمة الاسكتلندية، نيكولا ستورجين، أشارت إلى احتمال دعوة اسكتلندا إلى استفتاءٍ على الاستقلال. وحتى إذا جاءت النتيجة لصالح البقاء؛ فإن كاميرون قد يجد صعوبة في رأب الخلافات داخل حزبه «المحافظين» والبقاء في منصبه. ودعا زعماء أجانب، بينهم الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والصيني شي جين بينج، بريطانيا إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهي رسالة أيدتها منظمات مالية عالمية وكثيرون من رؤساء الشركات ومحافظو البنوك المركزية. وحذرت بنوك دولية من هبوط قيمة الإسترليني بشكل حاد إذا جرى التصويت لصالح الخروج، فيما يتوقع متعاملون أسوأ تقلبات في الأسواق منذ الأزمة المالية في عامي 2008 و2009. في حين رأى معسكر «الخروج» في هبوط الإسترليني تعزيزاً للصادرات البريطانية. ووجد هذا المعسكر تأييداً بين بعض المتخصصين الماليين والمشاريع الصغيرة. يأتي ذلك فيما يجاهد الاتحاد الأوروبي لمعالجة أزمة الهجرة والأزمة الاقتصادية. وفي حالة الموافقة على خروج بريطانيا من الاتحاد؛ فإن ذلك سيعزز المعارضة لهذا الخيار داخل دول أعضاء أخرى. وخاطب رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الناخبين البريطانيين قائلاً «ابقوا معنا» و»بدونكم.. ليس فقط أوروبا بل المجتمع الغربي كله سيصبح أضعف»، مُشدِّداً في تصريحات من العاصمة البرتغالية لشبونة قبل أيام «معاً سيكون بمقدورنا التغلب على تحديات المستقبل التي تزداد صعوبة».