أدلى البريطانيون أمس، بأصواتهم في استفتاء بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي أو مغادرته، مع تسجيل 46،5 مليون ناخب أسماءهم للاقتراع. وترافق ذلك مع ترجيح استطلاعات أخيرة للرأي فوز معسكر البقاء ما رفع قيمة الجنيه الاسترليني بنسبة 0.4 في المئة، وصولاً إلى 1.4770 دولار، وهو أعلى مستوى له أمام الدولار هذه السنة. واحتسبت الأسواق ومكاتب المراهانات فرصة نسبتها 80 في المئة لعدم خروج بريطانيا الذي قد يجعل الاستراليني يقفز إلى 1،55 دولار. وبموجب القانون البريطاني يُحظر نشر وسائل إعلام تفاصيل أي استطلاع للرأي أثناء ساعات التصويت بين الساعة 7 صباحاً و22 مساءً بتوقيت المملكة المتحدة، علماً أن النتيجة النهائية ستعلن اليوم. وفيما يرى محللون أن مستوى المشاركة سيكون حاسماً، باعتبار أن ارتفاع عدد المقترعين يزيد فرص فوز معسكر البقاء، تأثرت عملية التصويت بالطقس المرتبط بهطول الأمطار بدرجات متفاوتة في أنحاء المملكة المتحدة. وشوهدت نسبة أكبر من الشبان الذين يؤيد غالبيتهم البقاء أمام مراكز اقتراع في مناطق شهدت امطاراً كثيفة، فيما أقبل المتقدمون في السن على التصويت مع تحسن الأحوال الجوية خلال اليوم الانتخابي. واهتم المراقبون خصوصاً بتأثير الأحوال الجوية على تصويت الاسكتلنديين، الأكثر تأييداً للبقاء، علماً أن اقتراعهم لمصلحة أوروبا قد يعني تنظيم استفتاء جديد في البلاد على الانفصال عن بريطانيا، بعد تصويت أول فاشل العام الماضي. وفي مراكز الاقتراع، انقسم الناخبون بين قلقين من تبعات الخروج، وآخرين آبدوا سعادتهم للفكرة. وقال بيتر ديفيس (55 سنة)، الموظف في قطاع المعلوماتية أمام مركز اقتراع أقيم داخل مكتبة تابعة لبلدية رومفولد شرق لندن: «سيكون خروجنا كارثة على الاقتصاد». كذلك أيد جو دينيهي البقاء، بعدما أمضى فترة من عمره في أوروبا. في المقابل، تحسرت جون (50 سنة) للفترة التي شهدت ضم الاتحاد الأوروبي دولاً أقل، وأملت بفوز معسكر الخروج. وقالت: «سنكون أول المغادرين، وستحذو دول أوروبية أخرى حذونا، وأعتقد بأن الفرنسيين يرغبون في ذلك سراً». أما أليس كارس فوصفت الاتحاد الأوروبي بأنه «يفتقد الديموقراطية». وفي العاصمة الاسكتلندية غلاسكو، صرحت جيما روزاريا (24 سنة): «من الغباء المغادرة فالبقاء يخدم مصلحة اسكتلندا». وتعزز هذه التصريحات على غرار استطلاعات الرأي المتقاربة جداً الانقسام الداخلي في المملكة المتحدة بين الناخبين الأكبر سناً والناخبين الشبان، وبين لندن واسكتلندا المؤيدتين للاتحاد الأوروبي ووسط انكلترا الذي ينظر بشكوك إلى أوروبا. وظهر هذا الانقسام في عناوين الصفحات الأولى للصحف البريطانية. وعنونت صحيفة «ذي صن» الأوسع انتشاراً: «يوم الاستقلال»، في حين كتبت «ميرور» عنواناً تحذيرياً «لا تقفز إلى الظلام»، في تكرار لتحذير رئيس الوزراء ديفيد كامرون: «من «القفز في المجهول الذي لا رجعة فيه». وكان جميع القادة الأوروبيين حذروا البريطانيين من أن خروج بلادهم قد يؤدي إلى تفكك الاتحاد، كما حذرت كل المؤسسات الدولية، وبينها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من عواقب سلبية على المدى البعيد إضافة إلى تبعات اقتصادية فورية على البلاد، مثل التقلبات القوية في الأسواق واحتمال انهيار الجنيه الاسترليني. وكشف مسؤولون حكوميون مطلعون أن المسؤولين الماليين البارزين في دول مجموعة السبع سيصدرون بياناً يؤكد استعدادهم لاتخاذ كل الخطوات اللازمة لتهدئة الأسواق إذا صوتت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد. وأبلغ موريتز كرايمر، مسؤول التصنيفات السيادية في مؤسسة «ستاندرد اند بورز» صحيفة «بيلد» الألمانية ان المؤسسة قد تخفض سريعاً التصنيف الائتماني الممتاز لبريطانيا إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي. اجواء مشحونة داخلياً ويؤيد حزب العمال المعارض في بريطانيا والقوميون الاسكتلنديون البقاء في اوروبا، وكذلك حي الأعمال «ذي سيتي» في لندن الذي يريد الاحتفاظ بمكانته كمدخل للشركات الأجنبية الى الاتحاد الأوروبي. في المعسكر المنافس، يقود رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون المحافظين المشككين بأوروبا. وهو بشر البريطانيون بأيام افضل بعد استعادة «الاستقلال» والتحرر من توجيهات الاتحاد الأوروبي. وقال انهم سيستعيدون السلطة على قوانينهم وماليتهم وحدودهم، وبالتالي على الهجرة. ويعتبر معسكر «الخروج» إن هبوط الإسترليني سيعزز الصادرات البريطانية، ووجد تأييداً من متخصصين ماليين واصحاب مشاريع صغيرة. وركز حزب «يوكيب» المعادي لأوروبا والذي يتزعمه نايجل فاراج حملته على الحد من الهجرة، لكنه أثار صدمة في صفوف مؤيديه بنشره ملصقاً عليه صورة طابور من اللاجئين إلى جانبه «نقطة التحول: الاتحاد الأوروبي خذلنا جميعاً». ووسط هذه الأجواء المشحونة، أثار مقتل النائبة جو كوكس قبل أسبوع على موعد الاستفتاء على يد رجل يطالب ب «الحرية لبريطانيا»، صدمة عارمة في البلاد التي لا تزال تبحث عن أجوبة حول دوافع المأساة. ومهما كانت نتيجة الاستفتاء قد يفاقم التركيز على الهجرة إلى بريطانيا والتي زادت في شكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، الانقسامات في بلد تتسع فيه أيضا الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وحتى إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة البقاء قد يجد كامرون صعوبة في رأب الخلافات داخل حزبه والبقاء في منصبه.