في البداية، أود أن أنوه بأني لن أتقمَّص دور المختص التربوي، والنفسي أيضاً إن لزم الأمر ذلك، بل سأعيش على ما أنا عليه: ناصحاً، ومحفزاً، وناقداً، ومنبِّهاً. انتشر في الآونة الأخيرة مقطع مصوَّر، يُظهر مجموعة أولاد من صغار السن، يلعبون في مجلس عمهم، بحسب ما اتضح للجمهور المشاهد، وللاختصار لكون هذا المقام ليس بمقام شرح، و»تأجيج» للحادثة، إن استحقت ذلك أصلاً، ظهر عمهم معيض حاملاً في يده «عصاً قوية»، وبدأ بضربهم واحداً تلو الآخر عقاباً على اتخاذ المجلس لغير ما خُصِّص له في الأساس. انتشر المقطع بين أوساط الناس، وبدأت الآراء «تتضارب» حوله، فمنهم من قال: إن ما فعله صحيح، وأنه «من تحت هذه العصا» سيتخرَّج جيل، نعوِّل عليه مستقبلاً، ومنهم مَنْ استنكر الأمر، ورأى عكس ما ذُكر في الرأي الأول، فهم يرون أن مثل هذه التصرفات ليست تصرفات حضارية، أو بعبارة أوضح هي «تصرفات بدائية» في تربية الأبناء، تستند إلى اعتقادات خاطئة لدى بعضهم ومنهم العم معيض. لست هنا مدافعاً، ولا مؤيداً لما قام به العم معيض، بل أقف في صف المحايدين، الذين لا ينحازون إلى رأي دون آخر. أسلوب الضرب إحدى العادات والتقاليد المتبعة في البيت السعودي «غالباً» قديماً، وانتشر انتشاراً كبيراً في زمننا هذا، تحت مسمَّى «التأديب» بغض النظر عن نتائج هذا الضرب مستقبلاً على الأبناء، فالمراد منه على الفور هو امتثال الابن إلى الأوامر، وتنفيذها، وعدم الوقوع، أو القيام بما ضُرب من أجله. لكل بيت أسلوبه، ولكل عصا مقياس بحسب حاملها، ولعل التربية لا تقبل التخيير في ذلك، فإما أن يكون الابن صالحاً، أو غير صالح. الضرب المبرح نتائجه وخيمة وقاسية على الجميع، وليس على المضروب فقط، وأنا هنا لا أنادي إلى استخدام الضرب غير المبرح، وكأن كل ضرب لا تسيل بسببه الدماء، ولا يورم الأعضاء هو ضرب غير مبرح! كلا، فالقصد من هذا كله هو الاعتدال في الأمر، فالضرب التأديبي يشبه «التربيت على الأكتاف مصحوباً بكلام نافع». ولأننا أبناء الصحراء، والأجواء الحارة، فقد اعتدنا في كل شيء على القوة وإلا فلا، فلا صبر إذا لم يُطع الابن مرة أو مرتين، بل وثلاثاً، وإلا فالضرب، و»وابل الكلام» على أتم الاستعداد لينطلقا، ومن ثم تظهر عندنا حالات انطواء شديدة، وعزلة وتباعد بين الآباء والأبناء في كثير من الأحيان. إن المفاهيم الخاطئة التي تنادي بتشجيع الضرب لتخريج جيل قوي متماسك، هي «ضرب من الخرف» فمَنْ ذا الذي يأتي بكل مَنْ ضُربوا ليقودوا دفة المستقبل، ويتركوا الباقين في آخر الركب فقط لأنهم متميزون عن غيرهم بأنهم رجال أكفاء، تخرَّجوا في «مدارس وهمية»، ابتكرتها عقول، ظنَّت أن الشخص، الذي جُلد مرة أو مرتين، وضُرب مرات عديدة فبقي سليماً «ظاهرياً»، هو في باطنه سليم لا يُبدي أي شر أبداً! أنا لاأقول: إن كل مَنْ مرَّ بهذه التجربة ليسوا رجالاً أو غير أكفاء، بل هناك استثناء دائماً، ولكنني أنادي بمنهج الاعتدال والوسطية في كل شيء. مَنْ ينادي، ويصيح بسوء هذا الجيل، هو مَنْ «ألبس» نظره «سواداً عاتماً»، أو بنى لنفسه قناعة بأن هذا الجيل وإن ظهر فيه أناس، ينهضون ويتقدمون بحاضر الأمة إلا أنهم قلة قليلة، نصرةً لقناعته، وألا تهتز. لنتعود على أن السيئ يظهر وينتشر، والخير الوافر يختبئ في زوايا تريدك أنت أن تجدها. ليست التربية حكراً على أحد دون غيره، وليست التربية طريقة واحدة وأسلوباً واحداً، بل هي فن من الفنون، بها ترسم طريق ابنك، فإما أن تبدع له في رسم حياته، وإما العكس، ففي النهاية القرار في يدك، فاختر الوسط دائماً.