المعارضة السورية حديثة نوعاً ما، لم يُقدّم المعارضون السوريون في الخارج طيلة حكم حافظ الأسد ما يجعلهم قوة حقيقية كان يمكن أن تفضح جرائم حافظ الأسد وبالتالي تساهم في الضغط وتحسين شكل الحكم في سوريا، أيضاً في عهد بشار الأسد، الأكثر دموية من أي تصوّر، بقي المعارضون السوريون في الخارج بمنأى عما يحدث في الداخل السوري، لكن يبدو أن الحراك الذي بدأ في الخامس عشر من مارس من العام المنصرم في داخل سوريا قد ذكّر عشرات الآلاف من السوريين في الخارج بأنهم تنازلوا طويلاً عن لعب أي دور لكشف فظائع نظام الأسد الأب، ثم الابن. اليوم، تحاول المعارضة السورية فعل شيء، وقد نجحت في عمل الحد الأدنى مما يتوقعه الشعب السوري منها، لكنها تبقى معارضة هشّة تتأخر دائماً بخطوة عما يحدث في الداخل، إذ إن المبادرة تبدأ من الداخل، وسيكون الحلّ من الداخل وليس في يد معارضة تلهث في سبيل اللحاق بالتطورات التي تحدث على أرض بلادهم، البلاد التي استيقظ أبناؤها في المهجر على صوت الجماهير في الداخل، وها هم يحاولون اللحاق بالركب. وقع المعارضون السوريون في الخارج في عدة مآزق، لعل من أبرزها أنهم اعتقدوا أن النموذج الليبي يمكن أن ينطبق على السيناريو السوري الذي يحدث الآن فشكلوا مجلساً انتقالياً، لكنهم عجزوا عن إقناع الناتو أو أي قوة خارجية بالتدخل لحماية الشعب السوري الأعزل الذي يُقتل كل يوم، ولعل السبب في فشلهم عائد إلى اختلافهم في الاتفاق على طريقة مثلى للخلاص من نظام الأسد، رغم أن غالبية المعارضين في الخارج السوري يعلمون أن أي سيناريو، ومهما كان مأساوياً، لن يكون أكثر سوءا من استمرار نظام الأسد في الحكم. أراد المعارضون السوريون أن يكرروا تجربة ليبيا لكنهم فشلوا، فسوريا تلقى الدعم من حلفائها، كما أن المعارضة السورية حديثة نوعا ما؛ ما جعلها تعمل في اتجاه إيجاد خطاب موحّد من خلال مجلس انتقالي يبدو أن استنساخه من النموذج الليبي لن يشفع له بالبقاء والتأثير، فوجود المجلس الانتقالي السوري لا يمنع من تكوين أحزاب سياسية سورية في الخارج، هذه الخطوة التي ستجعل معارضة الخارج مواكبة للحراك السوري في الداخل إن لم تتقدم عليه، إذ يصعُب على المجلس الانتقالي السوري توحيد جميع أطياف المعارضة السورية في الخارج ضمن خطاب سياسي واحد دون أن يضم أحزاباَ تستطيع استيعاب جميع أطياف المعارضة، مع إيجاد خطوط عريضة يمكن التوافق عليها بين هذه الأحزاب ومن خلالها يمكن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي بصيغة برلمانية يمكن نقلها للداخل السوري بعد زوال نظام الأسد، ما يجعل المجلس الوطني، في حال اعتماده على التمثيل الحزبي داخله وليس على مساهمات الأفراد فحسب، الضامن لشغل الفراغ السياسي بعد التحرير في إطار ديموقراطي مقبول وممثل لكافة الطوائف والاتجاهات السياسية السورية في الداخل. إن ما فعله نظام الأسد على مدى نصف قرن بسوريا لم يكن استئثاراً بالسلطة، ولا إلغاء الأحزاب السياسية، ولا إنشاء المعتقلات فحسب، كما لم يعمل فقط على حصار المدن السورية وإعادة احتلالها وممارسة كافة أنواع القتل والتعذيب والتهجير منذ حماة الثمانينيات من القرن الماضي ووصولاً إلى حمص وحماة وإدلب ودرعا وغيرها من المدن السورية في الألفية الجديدة، لم يقترف كل هذه الفظائع فحسب، ولكنه نجح على ما يبدو في تعميق الفرقة الطائفية والعرقية بين أبناء المجتمع السوري وهو ما انسحب على المعارضين خارج سوريا، وها نحن نراهم ينشقون المرة تلو الأخرى ليسهلوا على النظام السوري الاستمرار في القتل وإبادة الشعب المسالم. إن الحل السوري يكمن في تكوين أحزاب سياسية معارضة في الخارج، إذ هي القادرة على استيعاب جميع المعارضين السوريين على اختلاف توجهاتهم وبرامجهم السياسية ورؤاهم حول الطريقة المثلى لإسقاط النظام الفاشستي في دمشق، ثم ضم هذه الأحزاب تحت مظلة المجلس الوطني الانتقالي، حيث سيخرج من هذا المجلس صوت سوري موحّد يمثل المعارضة بعد أن يتم الاتفاق عليه بآلية ديموقراطية حقيقية، وهي الآلية التي ستكون النواة الأساسية لإعادة إحياء الحياة السياسية في المؤسسات السورية بعد التحرير، فسوريا في عهد الأسد مارست الإقصاء وتجريم التعددية والتجهيل السياسي بكافة صوره، ما يجعل من أولويات المجلس الوطني السوري لمعارضة الخارج ليس فقط إسقاط النظام الوحشي، بل التفكير في مرحلة ما بعد التحرير، تلك المرحلة التي سيحتاج فيها السوريون لنظام ديموقراطي فاعل وحقيقي، كما سيحتاج أصدقاء سوريا الآن إلى الاطمئنان بأن المجلس الوطني السوري قادر على سدّ الفراغ السياسي مستقبلاً، وقادر على تقديم ضمانات حقيقية على أن مستقبل سوريا في مأمن من تكرار التجربة الطائفية في العراق.