دمشق - أ ف ب - أعطت حركة الاحتجاجات الواسعة في الشارع السوري دفعا للمعارضة التقليدية التي لاحقها النظام وقام باعتقال افرادها لعقود، الا ان الناشطين الذين يقفون وراء الحراك الشعبي الضخم في الشارع لا يريدون بالمقابل ان تصادر انجازاتهم التي دفعوا ثمنها غاليا. ويقول رئيس المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية، انور البني: "المعارضة التقليدية كانت موجودة لكنها فوجئت بالحراك في الشارع وتحاول الان اللحاق به واعداد رؤيتها حسب التطورات الجديدة التي نتجت عنه". ولفت البني الذي خرج من المعتقل في ايار/مايو الماضي بعد ان امضى فيه خمس سنوات "في السابق كنا معارضين ضد النظام ولم نفكر يوما انه سيسقط، الا ان الحراك الشعبي تفوق اليوم واثبت ان ذلك ممكن". وأضاف البني "اسقاط النظام لم يكن واردا على الاطلاق حتى انني عندما كتبت رؤيتي حول تغيير النظام وادرجت فيها ضرورة تغيير الدستور عام 2005 نعتني اصدقائي بالجنون". وغابت المعارضة السورية بمختلف وجوهها عن الساحة السياسة السورية في بداية الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة التي انطلقت في منتصف اذار/مارس قبل ان تتدارك نفسها وتبدأ بتنظيم نفسها وتشكيل ائتلافات وتحالفات من اتجاهات مختلفة. وبرر القيادي في حزب العمل الشيوعي، فاتح جاموس، غياب المعارضة التقليدية بالقول "ان النظام ساهم في فشل اغلب الاحزاب في نسج علاقة صحيحة مع الشارع السوري بسبب منعنا من العمل السياسي وسياسة القمع والاعتقالات". وأضاف "جرت محاولات لتوحيد صوت المعارضة السورية بالتوافق مع موجة ثورات الربيع العربية الا ان الامر فشل بسبب خلافات تتعلق بالتغيير الديموقراطي ووسائله اي الموقف من النظام والموقف من العامل الخارجي". واستدرك قائلاً "الا انه وبعد انطلاق الحراك الشعبي في سوريا جرت محاولات جادة لتوحيد صوت المعارضة السورية بصفته امرا مهما جدا لان الحراك انطلق في سوريا بدرجة عالية من العفوية ولم تستطع المعارضة التقليدية مواكبته ونسج علاقة صحيحة معه". ووسط هذا الغياب للمعارضة التقليدية ميدانيا، اعلنت مجموعات سورية معارضة في بيان صدر في التاسع عشر من آب/اغسطس الحالي عن تأسيس "الهيئة العامة للثورة السورية" التي تتألف من 44 مجموعة ولجنة تضم تجمعات المحتجين وخصوصا اللجان التنسيقية في المدن داخل سوريا والمعارضين في الخارج. وجاء في بيان التأسيس ان هذه الهيئة اسست بعد "اندماج كافة تجمعات الثورة داخل سوريا وخارجها (...) لتكون ممثلا للثوار في كل انحاء سوريا الحبيبة". ولما عقد معارضون يتألفون خصوصا من التيار الاسلامي وغالبيتهم من المعارضين في المنفى ابتداء من السبت اجتماعا في اسطنبول اعلنوا انه سيمهد لاعلان "المجلس الوطني السوري"، اصدرت "الهيئة العامة للثورة السورية" بيانا قاسيا ظهر وكأنه موجه ضد هذا الاجتماع. وقالت الهيئة في بيان الاحد ان "انعقاد عدد من المؤتمرات والدعوات لمؤتمرات اخرى بعضها يدعو الى تشكيل مجالس انتقالية او حكومات منفى سورية (...) كان له تداعيات سلبية على الثورة". واكدت الهيئة انها "تؤيد اي مسعى حقيقي لتوحيد جهود المعارضة السورية في الداخل والخارج بما يدعم الثورة السورية" لكنها اكدت "رغبتها في تأجيل أي مشروع تمثيلي للشعب السوري" من اجل "المصلحة الوطنية والثورة السورية". وبررت موقفها "بالعمل على التوافقية الكاملة لكافة اطياف ومكونات الشعب السوري في الداخل والخارج ما يمكن الثورة السورية من تحقيق اهدافها وتطلعات شعبنا باسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديموقراطية لكل السوريين". وامام هذا الموقف اعلن المجتمعون في اسطنبول انهم سياخذون موقف الهيئة بعين الاعتبار وانهم مددوا اجتماعهم وتمهلوا في اعلان تشكيل المجلس الوطني السوري ريثما يتم الاتصال بالهيئة. وحرص الناشط السوري المعارض عبد الرحمن الحاج احد المشاركين في اجتماع اسطنبول على تأكيد ان المجلس الوطني سيضم "التيار الاسلامي والاكراد والليبراليين واليساريين وكل اطياف المجتمع السوري وسيكون للمرأة نسبة 16 في المئة من اعضائه". وفي اطار الجهود الايلة لتوحيد نشاط المعارضين السوريين كان اعلن في دمشق في 30 حزيران/يونيو عن تشكيل هيئة للتنسيق الوطني تهدف الى التغيير الوطني الديموقراطي في سوريا وتمثل المعارضة في الداخل والخارج، حسب ما اعلن منسق الهيئة المحامي حسن عبد العظيم (80 عاما) الذي تم توقيفه لعدة ايام في ايار/مايو الماضي. واشار جاموس الذي يشارك حزبه في هيئة التنسيق الوطني "ان هذه المحاولات على شكل مؤتمرات تتصرف في الخارج بطريقة حذرة لانها تعرف ان العمل الفعلي هو في الداخل". واكد على ضرورة "توحيد صف المعارضة في الداخل بشكل اساسي وتوحيد صوت المعارضة في الخارج بصفتها داعمة للحراك الشعبي للمعارضة في الداخل". وذكر الناطق الرسمي باسم حزب الوحدة الديموقراطي الكردي (يكيتي) زردشت محمد لفرانس برس "ان ظاهرة المؤتمرات التي عقدت مؤخرا اتت نتيجة غياب قانون ينظم عمل الاحزاب وعدم اعتراف السلطات بقوى المعارضة وتغييب المجتمع عن العمل السياسي". واضاف محمد "ان ظاهرة المؤتمرات اتت بعد موجة الاحتجاجات كنتيجة طبيعية لغياب الحريات العامة في سوريا" لافتا الى انها "بحاجة لخطوات لتوحيد التكتلات السياسية". الا ان محمد اكد بالمقابل "ان المؤتمرات يجب ان تكون داخل سوريا للقوى الفاعلة على الارض، على ان تكون الاحزاب وممثلوها في خارج البلاد داعمة لهم". ودعا الى عقد مؤتمر عام لتوحيد المعارضة الغرض منه "الانتقال الى دولة ديموقراطية مدنية علمانية تكرس سيادة الشعب والمساواة التامة بين المواطنين". واشار الى ان "التباينات موجودة الا انه لا يجب النظر اليها بالعمق الذي يدعو الى التباعد حيث يمكن الالتقاء على النقاط غير الخلافية كالدولة المدنية ورفض التدخل الاجنبي والتاكيد على سلمية الثورة والتمسك بوحدة الشعب وعدم التمييز". واعلنت المفوضة العليا لحقوق الانسان نافي بيلاي الاثنين ان حصيلة ضحايا قمع الحركة الاحتجاجية في سوريا ارتفعت الى 2200 قتيل، وذلك لدى افتتاح جلسة استثنائية لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. وانطلقت الحركة الاحتجاجية الواسعة في سوريا في الخامس عشر من اذار/مارس الماضي وهي لا تزال متواصلة عبر التظاهر اليومي في الكثير من المدن السورية مطالبة باسقاط نظام الرئيس بشار الاسد.