أعلمُ يقيناً أنه لا يقاس عمر الإنسان بالسنين، بل بالمواقف التي عاشها وبالأوجاع التي تجرعها وبالمآسي التي جعلته يكبر وينضج فكراً لا جسداً ويشيخ روحاً لا مظهراً، وأعلمُ أيضاً أن الحياة وإن طالت لا تعني شيئا لشخص لم يجرِّبْ و لم يخض في مواقف تجعله أكثر صلابة، ولنا أن نعتبر حينما نتأمل هذه المشاهد من واقع حياتنا وقد مررنا بها، فعندما نولد نكون أكثر ليونة ونعومة في تلقّي المواقف والصّعاب، فتحيط بنا رحمة الله الأعم والأشمل ثم رحمة والدِينا، فتستمر الرحمة الأولى معنا حتى ما بعد الموت. حنان الأم يجعلها تراقبنا خوفاً علينا من أي أذى، ورعاية الأب ودعمه دليلان على حرصه على الاطمئنان علينا من أي غريب يتحدث معنا، أو من أي مجهول قد يتربص بنا، هذا هو تفكير الآباء دائماً محفوف بالمخاوف والحذر على أبنائهم، ولكن نكبر مجبرين لا مخيرين، فيقلّ ذاك الحرص من أهلنا ليس لأننا لم نعد مستحقين له لا على العكس، بل لحاجتنا نحن أن نتذوق طعم التجربة، وإلا فلن نذوق المر ولن نعرف لذة الحلو أبداً . فيبدأ الطفل منا في شق طريقة نحو الحياة وهذه فطرة الحياة وحينها فقط نكبر في ردود أفعالنا وتوقعاتنا من المواقف التي نعيشها ومن الصدمات التي نتلقاها. بعضنا يتعلم سريعاً وينكوي وجدانه من حرارة الوجع وشدة وطأة الحزن فيتحلى بالحكمة مما جرب وعاش، وبعضنا يكرر الموقف تلو الموقف وقليلاً ما يتعظ ويتعلم ويبقى الضمير هو الفارق بين الحالتين، فعندما يكون يقظا يدرك مالا يُرى ويشعر بما لا يُحس والعكس صحيح. آخرون يضعون الكرامة فوق أي اعتبار، فعندما يخضع لموقف يقلل من شأنه تراه يفر منه حفاظاً منه على كرامته. الجميع يقع في تجارب جديدة وجميعنا يعيش كل يوم موقفا أو موقفين، بعضنا يضع رأسه على الوسادة في نهاية يومه يفكر ماذا يفعل بالغد دون حسبان لما طوى بالأمس القريب!، فيذهب يومه سدى دون درس جديد يضيف لشخصه حكمة أو موعظة أو حتى فائدة، وبعضنا الآخر يسترجع يومه باحتساب قيمته من تجاربه؛ فيحاسب نفسه بحرص على أن يقف بجانب الحق دون أن يحيد عن الصواب، فيتعلم من تلقاء نفسه عبرا ودروسا ويضيف لقيمته الإنسانية قيما جديدة حتى ينال شرف القوة والعزة من تجارب السنين، وكما قال الحكماء السابقون «الضربة اللي ما تقتلك تقويك!!» ما أود الوصول إليه في مقالي: عليك أن تستقبل هدايا الأقدار بسرور، وأن لا تجزع إذا قابلت حزنا أو همّا تعتقد أنه أكبر من أن تحمل فوق عاتقيك، فأنت قادر على المقاومة والشجاعة والصبر ومن ثم تحويل حياتك إلى الأفضل لأن الله يهديك إلى ما تستحق ولأنك دائماً تستحق الأفضل اقبلِ الصعب وتلقّ الأوجاع بابتسامة القوي قلباً وقالباً، وأن هذا كله سينطوي وستنال سمات الصلابة والحلم والأناة، فكل شيء بمقدار وكل شيء بحكمة من الله تعالى، فلا تكن عجولاً وعش حياتك كما تأتيك دون جزع .