لم تكن ظاهرة العنف وليدة العصر، وإنما انطلقت شرارتها منذ أن وطِئت قدم الإنسان هذه الأرض الطاهرة، وذلك عندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل لأمر دنيوي، غريزي. توالت صور وأشكال العنف البشري منذ ذلك التاريخ من قتل، وتدمير، وتعذيب، وتنكيل تحت مبررات مختلفة حتى ظهر ما عُرف بالتطرف الطائفي والفكري أثناء خلافة الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، رضي الله عنهما، واستمر مسلسل العنف والتطرف والإرهاب الدموي حتى يومنا هذا. الإرهاب ظاهرة مرضية شاذة لا تختلف عن الظواهر الحياتية المماثلة لها، فالإرهاب ليس سلوكاً اعتباطياً، قد تشرق شمسه فجأة، ثم لا تلبث أن تغيب، وإنما يظهر وفقاً ل «ميكنزمات» Mechanisms محددة، من هنا فهو يتطور، ويتلون، وتختلف مكوناته، رغم ثبات خصائصه، وفقاً لمقتضيات الحال، ومتطلبات الزمان والمكان، وتقلبات الأحوال. منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وظهور فكر القاعدة، تجلَّت صور الإرهاب بحلته القديمة – الجديدة في التطرف، والتصلب الفكري «Inflexibility» المؤصّل على قراءة نوعية للمتشابه من النصوص الشرعية، وما اختلف فيه من مدار الخلاف الفقهي، الذي خدم ذلك الفكر، وخلق له مبرراته، من هنا كان لزاماً تعديل تلك المفاهيم الفكرية الخاطئة من باب المنظور المعرفي «Cognitive». إن المتتبع لواقع الحال اليوم، يجد أن «ميكنزمات الإرهاب» قد تغيّرت بصورة كلية، فلم تعد تتبع آلية فكرية، تتعلق بالمعتقد الشرعي فحسب، وإنما أصبحت هجينة من «ميكنزمات» نفسية متعددة «Multi-mechanisms»، فدواعش اليوم أبعد ما يكونون عن الالتزام الديني، فضلاً عن تصلبهم وتطرفهم الفكري في المعتقدات الدينية. هنا نستعير مصطلح الفيروس من علم الأحياء الدقيقة للقول مجازاً: إن فيروس الإرهاب قد غيّر شفرته الميكنزمية النفسية. والسؤال المطروح: ماذا علينا أن نفعل ك «تدخل مهني» تحليلاً، وعلاجاً، للوقاية من الإرهاب المطوَّر؟ للحديث بقية.