بات مجتمعنا خلال الآونة الأخيرة غارقاً في بحر الماديات، تارةً تعلو به إلى السطح العالي فيتنفس الحرية، و تارةً تهبط به إلى قاع الزيف فتخنقه المظاهر عندما يصبح مقياس البشرية و العلاقات الاجتماعية يقاس على أين سافرت في صيف العام المنصرم؟، و ماذا تلبس من ماركات؟، و كم سيارة فارهة تمتلك و ماهي آخر خططك اليومية بالسناب شآت، لترينا كيف تأكل وكيف تعمل و بكم تتطوع؟. أصبح كل شيء من حولنا موبوءاً بزيف الماديات، و لا شيء نستمتع به كسابق عهده و السبب؟ ، نريد أن نكون كغيرنا دون مراعاة منا بأن لكل شخص ظروفه وحياته، و حقيقةً عند انعدام المناسبات البسيطة و اللحظات العائلية غير المكلفة و التنزهات التي تكتفي بالشاي والقهوة فقط و الأرواح الطيبة المتألفة فقد انعدم في حياتنا الأحساس بالرضا، و أصبحنا نلهث وراء تقليد حياة المشاهير بالانستجرام و غيره من وسائل التواصل، و إن كنا نعلم أن حياتهم مملوءة بشيء من العجب، فليس من المعقول أن يكون هناك شخص كل يوم في مدينة سائحاً هائماً على وجهة لا يهتم بالمصاريف و لا يراعي بداية عام ولا نهايته لا يلتزم بأسرة و لا عمل ومع هذا فإن المتابعين له مهووسون بمشاهداتهم لما يبعث و يرقبون تنقلاته و لسان حالهم يقول ياليت لنا حياة مثل ماعنده !!! . أتعجب من فتياتنا اللاتي لم يعد يرضيهن شيء سوى أن تكون مثل الموديل فلانة! ، متى ننضج؟، فالماديات لن تجعلنا أسعد بل ستحوِّل حياتنا إلى حال تذمر و ملل وتشابه فكلنا نسافر لنفس البلد لأن الجميع لابد أن يصيّف في هذه البلد فهناك المشهور فلان و المشهورة فلانة، و كلنا نلبس على نفس التصميم و نتكلف و نبالغ في إيجاد لحظات ملائمة لنقلها للآخرين بأنها أسعد لحظة و إن كانت لمجرد أن نظهره في هذا القالب حتى يراها الآخرون هكذا فقط. في السابق كانت لكل مجتمع سماته المميزة التي تضفي عليه سحراً خاصاً، لا أحد ينظر للآخر بعين المقارنة والتقليد، أما اليوم فلقد انصهرت السمات بعضها ببعض و اتحدت على أن يكون الجميع على غير طبيعتهم، وإنما أصبحنا مع الأسف في حال يرثى لها من التصنع و المغالاة في التعايش مع الآخرين، أتمنى أن تكون ثورة الماديات هذه ثورة مؤقتة، ما إن اشتعلت وهتف بها كثير حتى تنطفئ دون ضجيج و تعود الحياة كما كانت بسيطة على حالها الذي نعيش فيه بسلام بعيداً عن هموم الديون و مشقّات التقليد.