تستمدُّ انتخاباتُ المجالس البلديَّة أهمِّيَّتها من مشاركة المواطنين في إدارة الخدمات البلديَّة؛ إذ تعدُّ هذه المشاركةُ عاملاً مساعداً في دعم القرارِ الحكوميِّ بما يحقِّق مصلحتهم، إضافة إلى ذلك فإنَّ هذه المشاركة ستجعل المواطنين في موقع المسؤوليَّة المشتركة مع الجهات الرسميَّة، وهذا سيزيد من مستوى الوعي والمبادرة لديهم، ولقد أسهمتْ المجالسُ البلديَّة خلال دورتيها الانتخابيَّتين السابقتين في تطوير العمل البلديِّ عبر رسم خططه وبرامجه ومتابعة تنفيذ مشاريعه، وتلبية احتياجات المواطنين من الخدمات البلديَّة وتحسين مستوياتها وتفعيل أداء البلديَّات والرفع من قدراتها لتتمكَّن من تحقيق الأهداف المنشأة من أجلها. اقتربَ موعدُ انتخابات المجالس البلديَّة في دورتها الثالثة في 1/ 3/ 1437ه، ولا شكَّ في أنَّها كتجرِبة انتخابيَّة قد حقَّقتْ تطوُّراً انتقل بها من دورتها الأولى المنتهية باختلافات بين أعضاءٍ في معظم المجالس البلديَّة وإلى صراعاتٍ قد أعاقتها دون تحقيقها أهدافها كما خُطِّط لها، لتصل إلى دورتها الثانية وقد نضجتْ التجرِبةُ الانتخابيَّةُ للمجالس البلديَّة نوعاً ما باختفاء معظم الصراعات والاستقالات والدعاوى القضائيَّة والإداريَّة التي مرَّت بها في دورتها الأولى، وستكون المجالس البلديَّة -بمشيئة الله- في دورتها الثالثة أكثر نضوجاً وأقلَّ إشكالاتٍ تنظيميَّة وعمليَّة لاحقة لها، فتطوير التجربة الانتخابيَّة التي أقرَّها نظامُ المجالس البلديَّة الصادر بتاريخ 4 / 10/ 1435ه سيُعمَل بموجبه خلال هذه الدورة من عمل المجالس البلديَّة، إذْ خفَّض سنَّ الناخب لثماني عشرة سنة، وزاد نسبة الأعضاء المنتخبين إلى 70 % من أعضاء المجالس البلديَّة، وأقرَّ مشاركة المرأة كناخبةٍ ومنتخبة، واقتصار الناخب على تقديم صوت واحد لمرشَّح واحد في دائرة واحدة، إضافة إلى زيادة عدد المجالس البلديَّة إلى 284 مجلساً بلديّاً في مناطق المملكة العربية السعودية ومحافظاتها ليزداد عددُ أعضائها إلى 3159 عضواً، منهم 2106 أعضاء منتخبين يشكِّلون ما نسبته 70 %، في حين سيكونُ عدد المعيَّنين 1053 عضواً بنسبة 30% من أعضائها، وفي ضوء تجربة الانتخابات البلديَّة في دورتيها الأولى والثانية وتطويرها استعداداً لدورتها الثالثة سأطرح الآتي: * أحسبُ أنَّ مشاركة المرأة في الانتخابات البلديَّة -حسب ضوابطها الشرعيَّة- قد حسمتْ شرعيَّتها ونظاميَّتها؛ ولذلك فما سيكتبُ عنها في هذه الأيَّام السابقة للانتخابات أو ما سيطرح عنها في الحوارات الخاصَّة والعامَّة لا يعدو إلاَّ أن يكون بلبلةً لا مكان لها من الفكر والرأي وفي الشرع، فليتوقَّفْ مثيروها وليراجعوا أنفسهم فكريّاً ووطنيّاً فذلك أجدى من أن يسجِّلَهم التاريخُ بمواقف وطنيَّة رجعيَّة ثقافةً وفكراً كمعارضي بدء تعليم المرأة في الثمانينيات الهجريَّة من القرن الماضي أو معارضي عضويَّتها في مجلس الشورى في الثلاثينيات من هذا القرن. * أخشى أن تستهدفَ داعش بعمليَّاتها الإرهابيَّة، بتجنيد بعض المغرَّر بهم من أبناء الوطن، مراكزَ الانتخابات البلديَّة للمرأة، ولخشيتي هذه سأنادي باحتياطاتٍ أمنيَّة وبضرباتٍ استباقيَّة لحماية المواطنات الناخبات والمنتخبات من داعش لا قدَّر الله ذلك. * أنْ يكون المترشِّحُ لعضويَّة المجالس البلديَّة جامعيّاً كحدٍّ أدنى في تأهيله العلميِّ؛ فقد أثبتتْ الدورتان السابقتان أهميَّة التأهيل العلميِّ لعضو المجلس البلديِّ في تفعيل مشاركته عمليّاً ليتجاوز بها الشكليَّة والوجاهة الاجتماعيَّة. * نصَّ نظامُ البلديَّات الصادر بالمرسوم الملكيِّ رقم 5/ م في 21/ 2/ 1397ه في مادته العاشرة على أن «يختار المجلسُ البلديُّ رئيسَه ونائبَه من بين أعضائه بصفة دوريَّة لمدة سنتين قابلة للتجديد، وإذا تساوت الأصواتُ بين المرشَّحين فيعتبر قرار وزير الشؤون البلديَّة والقرويَّة مرجحاً»، وهنا أرى أنَّه ينبغي استثناء رؤساء البلديَّات من اختيارهم رؤساء للمجالس البلديَّة؛ إذْ إنَّه ليس من المناسب أن يترأس رئيسُ البلديَّة المجلسَ البلديَّ الذي من مهامه مراقبة أداء البلديَّة والعمل على رفع كفاءتها وحسن أدائها للخدمات من خلال التقارير التي ترفع له أو التي يطلبها المجلس. * عدم تعيين من خاضوا انتخابات المجالس البلديَّة مترشِّحين ولم ينجحوا، فتعيين بعضهم سيعكس رسائلَ سلبيَّة تقول للمواطنين الناخبين: إنْ لم ترشِّحوهم فإنَّ الجهات الرسميَّة ستعيِّنهم، وفي ذلك تشكيك في تحقيق التجربة الانتخابيَّة أهدافها. * يفتح المجال للمترشحين المقبولين لبدء حملاتهم الانتخابية لتعريف الناخبين بهم وببرامجهم الانتخابيَّة وأفكارهم وتطلّعاتهم وخططهم المستقبليَّة؛ ليكون الناخبون على بيِّنة من ترشيحاتهم، في ضوء ضوابط موضوعيَّة تحول دون تسفيه الناخبين بدعاياتٍ إعلانيَّة وأملاً في الحيلولة دون انتخابات الفزعة والقبيلة؛ فلذلك أهمِّيَّة للمترشحين وللناخبين في آن واحد؛ فهي ستعطي الفرصة للناخب ليقرِّر من هو المترشح الأنسب الصالح لعضويَّة المجلس البلديِّ، ومن ناحية أخرى فهي فرصة لإيصال المترشِّح رسالته للناخبين وتعريفهم بنفسه لكسب تأييدهم له يوم الاقتراع. * ورد في الفقرة (د) بأنَّ من مهام المجلس البلديِّ أن «يدرس المجلس مشروع الهيكل التنظيميِّ للبلديَّة ويبدي مرئيَّاته ومقترحاته بشأنه ومن ثم تستكمل البلديَّةُ الإجراءات النظامية»؛ إذْ ربَّما فُهِمَتْ هذه الفقرة على غير مرادها؛ ممَّا سيؤدِّي إلى ظهور البلديَّات مختلفة عن بعضها في هياكلها التنظيميَّة؛ وذلك سيجعلها غير متَّسقة مع التنظيمات الوزاريَّة فتكون الوزارة غير قادرة على متابعة منجزات البلديَّات ومراقبتها مراقبة إشرافيَّة.