دخلت اليونان مُجدَّداً فترة عدم استقرارٍ سياسي مع الإعلان عن انتخابات تشريعية مبكِّرة تقرَّرت في سبتمبر المقبل، فيما لم يُبدِ دائنوها استياءً حتى الآن. ويأمل رئيس الوزراء المستقيل، ألكسيس تسيبراس، في الفوز بهذا الاستحقاق الذي يعدُّ الخامس منذ عام 2009؛ على الرغم من الخلافات داخل حزبه اليساري الراديكالي (سيريزا). وتأتي الدعوة إلى الانتخابات بعد استقالة تسيبراس أمس الأول من منصبه على خلفية انشقاق داخل «سيريزا» الذي يتزعمه، إذ أعلن 25 من النواب البرلمانيين للحزب عزمهم تشكيل كتلة برلمانية جديدة اعتباراً من يوم أمس. وأُطلِقَ على التكتل الجديد اسم «الوحدة الشعبية» تشبُّهاً بحزب الرئيس التشيلي السابق، الاشتراكي سلفادور الليندي. ويعارض المنشقون تدابير التقشف الجديدة المفروضة بموجب الاتفاق الأخير بين أثينا وأوروبا الخاص بتقديم قرض جديد لليونان. واعتبر تسيبراس، في خطابٍ متلفز مساء أمس الأول، أن «القرار الآن للشعب ليحكم على القرارات والنجاحات أو الأخطاء» بعدما قام بما وصفه «كل ما في وسعه لتعزيز الاقتصاد». وخاطب رئيس الوزراء المستقيل الناخبين قائلاً «يعود الأمر إليكم لتحديد ما إذا كنَّا مثّلنا البلاد بشكل جيد، وما إذا كان الاتفاق الخاص بالقرض يضمن الشروط التي تسمح بنهوض البلاد». وانتُخِبَ تسيبراس (41 عاماً) في 25 يناير الماضي بحصوله على 36.3 % من الأصوات، وكان يُنظَر إليه بصفته السياسي اليساري الذي سيضع حداً لسياسات التقشف المفروضة على مواطنيه منذ بدء أزمة اقتصادية طاحنة قبل 5 سنوات. لكن بعد ستة أشهر من ضغوط الدائنين الذين هددوا أثينا بالخروج من منطقة اليورو؛ اضطر زعيم «سيريزا» إلى توقيع اتفاق مع أوروبا على قرض جديد بقيمة 86 مليار يورو على مدى 3 سنوات. ولم يتأخر الرد العقابي لحزبه؛ إذ صوَّت 40 من نوابه البرلمانيين من أصل 149 ضد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي أو امتنعوا عن التصويت الأسبوع الماضي. ومرَّ الاتفاق بدعمٍ من المعارضة، فيما خَسِر رئيس الحكومة الأغلبية البرلمانية ولم يعد يحظَ حالياً سوى بتأييد 119 نائباً من أصل 300. في السياق نفسه، أعلن زعيم تكتل«الوحدة الشعبية» الجديد، بانايوتيس لافازانيس، السعي إلى تجسيد «لا» التي صوَّت لها 62% من الناخبين في استفتاءٍ نظّمته الحكومة اليونانية قبل أقل من شهرين وتناول اقتراحاً من الدائنين حول خطة إنقاذ جديدة. واتهم لافازانيس تسيبراس ب «الخوف وخيانة الخط السياسي لسيريزا». وعلى الرغم من الاتهامات؛ يتمتع الثاني بشعبية كبيرة بين المواطنين، ما يتيح له وفقاً لمحللين الفوز في الانتخابات المبكرة التي تقرَّرت في ال 20 من سبتمبر المقبل. لكن الناخبين يبدون مرهقين من آثار الكساد الاقتصادي و5 اقتراعات خلال السنوات ال 6 الأخيرة. ويعتقد نيكوس باباسوتيريو (70 عاماً)، وهو متقاعد في جزيرة ليسبوس على بحر إيجه، أنه «كان يمكن للحكومة تجنُّب الانتخابات بطلب تصويت على الثقة في البرلمان، لكنها استعجلت». وبدا فاسو ستاثاكي، أحد المقيمين في ميتيلين كبرى مدن ليسبوس، متشائماً؛ إذ قال «لا شيء سيتغير، القرارات تُتَّخَذ في بروكسل، لقد حاولوا (سيريزا) القيام بشيء آخر لكنهم فشلوا». وينظر أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة كريت، مانوليس ألكساكيس، إلى استقالة تسيبراس على أنها «لم تكن وليدة الصدفة»، ويقول «لقد أراد تقديمها ما يؤكد أنه فكَّر ملياً في الأمر». ويعتقد ألكساكيس أن «سيريزا» لن يتأثر كثيراً بالانشقاق داخله. في الوقت نفسه؛ لا تبدو الدعوة إلى انتخابات محتملة مثيرةً حتى الآن لاستياء الدائنين وهم صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي. ولا يخشى رئيس مجموعة اليورو، يروين ديسلبلوم، من تشكيل فترة الانتخابات خطراً على تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية. ويلاحظ أن «الغالبية العظمى من النواب اليونانيين أيَّدت مجموعة التدابير في البرلمان»، متوقعاً دعماً أقوى بعد الاقتراع المقبل. وكتب مسؤول في مكتب رئيس المفوضية الأوروبية على موقع «تويتر»: «انتخابات مبكرة في اليونان قد تكون وسيلة لتوسيع نطاق دعم خطة المساعدة». إلى ذلك؛ شددت فرنسا التي ساعدت تسيبراس في الحصول على قرض جديد على استمرارها في دعمه «من أجل تطبيق البرنامج الجديد». في المقابل؛ أعربت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني عن قلقها حيال «تأثير انعدام الاستقرار السياسي على نجاح برنامج التدابير الاقتصادية». وبموجب الدستور اليوناني؛ تؤدي استقالة رئيس الوزراء تلقائياً إلى عملية تشاورية بحيث تُستدعَى أكبر ثلاث كتل برلمانية لتشكيل حكومة ائتلافية خلال 3 أيام. وكلَّف الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، زعيم حزب المعارضة اليميني «الديمقراطية الجديدة»، فاغيليس ميماراكيس، بمهمة تشكيل حكومة ائتلافية.