لقد كانت تعاليم السماء المنزلة على رسل الله عليهم السلام منذ أول رسول أرسل للبشرية وانتهاءً برسول البشرية جمعاء محمد صلى الله عليه وسلم، نبراساً وهداية للبشرية جمعاء حتى لا تتخبط في دياجير الظلام وتضيعها زواريب الضلال. ولم تعرف البشرية في القديم والحديث طريق نجاة إلا عبر هذه التعاليم. ودعني أيها القارئ الكريم أكون أميناً معك متجرداً من العاطفة، فإن من أسمى هذه التعاليم تعاليم الدين الإسلامي، فما تعاليم الدين الإسلامي إلا محض تجربة هاتين الديانتين، فالدين الإسلامي وقف وسطاً بين هاتين الديانتين.. فإذا كانت البشرية أحياناً تقف على الأطراف وعادة الوقوف على الأطراف له بعض التبعات، فمثلاً التشدد الذي تحاكيه ديانة ما هو على النقيض من التفريط الذي تمثله ديانة أخرى.. والتعاليم الإسلامية أتت لتحط بين هاتين الديانتين، فلا هي صاحبة أصرار وأغلال، ولا هي صاحبة تمييع في التعاليم، فالدين الإسلامي جاء بعد أن خاضت البشرية تلك التجربتين ليقف في الوسط.. فالدين الإسلامي بين تلك الديانتين، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…)، دعني أيها القارئ الكريم أوضح فكرتي أكثر، وهي أن الدين الإسلامي هو عبارة عن محاسن تلك الديانتين ونبذ ما سوى ذلك.. أيها القارئ الكريم، لعل مثل هذه المقدمة التي هذه هي مندوحتها سأنفذ إلى شيء مهم وهو أن الدين الإسلامي بمضامينه السامية ومعانيه المتينة هو الدين الذي يجب أن ترسو البشرية على شواطئه.. فهذه التعاليم هي الشاهدة على صلاح ما قبلها من تعاميم قولاً واحداً لا ثاني معه، ولكن مع الأسف الشديد إن البشرية اليوم لم تقِم بعدُ مضامين هذا الدين ولم تقف عليه عن كثب، ليس ممن هم ليسوا بأتباعه، بل إن الأمر أنكى من ذلك بكثير، وهو أن أتباعه هم الآخرين لم يقفوا على مضامينه.. إن هذه التعاليم هي ذكر للبشرية حتى يكون لها قدم صدق في مضامير الحياة المختلفة، قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم مبيناً له أن هذا الدين فيه الخير المادي والمعنوي: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)، فبهذا النص القرآني يتضح لنا جلياً أن الذكر الحسن في الحياة الدنيا والآخرة لن يتأتى إلا عبر بوابة هذه التعاليم، وأنه على أهل الإسلام مسؤولية عظيمة، وأنهم مسؤولون عن تعدي هذا الذكر إلى غيرهم وإلا سوف يُسألون.. ولكن لن يكون لأهل الإسلام أولاً وللبشرية ثانياً ذكر حسن حتى تتدبر نصوص هذه التعاليم تدبراً يفضي بها إلى أخذ ما فيه من تعاليم مادية ومعنوية على حد سواء، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، إذاً من هذا وذاك لن تدلف البشرية إلى عطاءات القرآن الكريم وإضاءاته إلا بواسطة هذا التدبر.. ولن يكون لها صلاح إلا بها. لن تجد أي شيء يعوز البشرية إلا وفي كتاب الله بيانه، فما من شاردة ولا واردة إلا وعلم الله قد أحاط بها، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، ثم يردف الله مع هذا النص نصاً آخر يقول فيه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، من مهام كتاب الله وتعاليم هذا الدين أنه دليل إلى جنان عدن وبحبوحة الآخرة، ومن يظن أن الأمر مقتصر على ذلك فهو مخطئ.. فالدين الإسلامي هو دين أتى لسعادة البشرية في الدارين على حد سواء، قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ)، دعني أيها القارئ الكريم أدبج مقالي بقولي: إذا أرادت البشرية جميعاً أن تعيش الوفرة والفيض فما عليها إلا أن تشرب من كأس الله فهي ريَّا. إذاً فتعاليم هذا الدين تُرجى بها السماء وتُورث بها الأرض.