إن أرض العرب هي مهد الديانات السماوية جميعاً لاسيما تلك الديانات التي جاء بها أولوا العزم من الرسل. فساحت هذه الديانات في تلك الأرض فباركها الله وكان آخر هذه الديانات الدين الإسلامي الخالد الذي هيمن كتابه على ما سواه من الكتب السماوية هيمنة درجة لا نوع، وكان رسوله هو الرسول الخاتم للرسل جميعاً، فعاش الناس في صدر الإسلام الأول متمسكين في هذا الدين كيف لا - وهذا الدين ليس هناك شاردة ولا واردة إلا وعلمها بين أيدينا قال تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) فامتاز هذا الدين وامتاز كتابه بحفظ قدريّ كونيّ من الله تعالى لا تستطيع يد عابثة أن تعبث به قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). إذاَ فمن أراد الفوز والفلاح في كلتا الدارين فليمسك بأطناب هذا الدين.. وفعلاً إن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم تمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ، ولكن أحياناً يأتي على الأمة الإسلامية زمانٌ تخبو به جذوة هذا الدين لسبب أو لآخر. ومادمنا اليوم نعيش أزمة معرفة في مضامين هذا الدين وتعاليمه السامية إلا أننا نرى أن هذه المضامين والمبادئ السامية قد اختطفها منا الغرب من حيث نشعر أو لا نشعر!! ما أود قوله هو أن مفاهيم الإسلام وتعاليمه السامية نجدها في الغرب تُمارس كالشمس في رابعة النهار. وإن لوجود هذه التعاليم وانصهار بوتقتها في بلاد الغرب هو لأنهم وقفوا عليها عن كثب فثمنوها غالياً وعكفوا على دراستها تحليلاً وتمحيصاً لأنهم عرفوا حينها أن المنقذ من الضياع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والنفسي هو بمعرفة هذا الدين ومن قبله مضامين الديانات السماوية الأخرى. إن الغرب حينما تُغرد به تعاليم الإسلام وتُزاول في مختلف أنشطتها الاجتماعية ربما ليس منبثقا من حبهم لهذا الدين بذاته ولكنهم عرفوا أن الوحدة والوئام ورص الصفوف هو المخرج والمنقذ الوحيد من التشرذم والضياع ،أليس الله تعالى يقول لنا :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فإن الغرب في السابق مزقتهم يد عسراء فكانوا شذر مذر فصاروا اليوم وحدة متجانسة ويدا واحدة على أعدائهم وأكثر تماسكاً وتآلفاً عنه في الماضي يوم كانت الحروب بينهم تأتي على الرطب واليابس. إن مبدأ التكافل الاجتماعي هو الآخر عرفه الغرب بعد أن عرفوا أن الواحد منهم لا يستطيع أن يرفع اللقمة لفيه وأمامه شخص يتلصص عليه ويدعو عليه بالوبال والثبور فعرفوا حينها أن يتقاسموا خيرات الأرض وبركات السماء بينهم فأدركوا أخيراً أن فضلة طعام الغني هي حق الفقير. فهم أخذوا من الإسلام قوله نعالى : (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) وإن من تلك المبادئ السامية التي لها أرضية صلبة عند الغرب هو الصدق والاحترام بينهم فلا يسخر قوم من قوم، وكذلك أن من تلك المبادئ التي ساحت عندهم هو مبدأ احترام الوقت بكل ساعاته وثوانيه وكذلك احترموا العلم وأجلوا العلماء كلٌ في مضماره على عكس ما نشاهده اليوم في صفوفنا نحن المسلمين. إننا اليوم بسبب تخلينا عن تلك المبادئ أصبحنا عالة على الغرب ليس في مضمار دون مضمار فصرنا نأكل في فتات موائدهم الحضارية.إنه ليندى الجبين حينما نتلقف معطيات الحضارة الغربية فنستعملها في أشياء تنخر في هياكل المجتمعات البشرية الإسلامية فكم من عطاء حضاريّ صرفناه من الحق إلى الباطل. إني حينما أمجد الغرب فإني في نفس الوقت لا يخفى عليّ أنه يوجد عندهم بعض النشاز ولكن النشاز الموجود عندهم هو الاستثناء والصلاح هو القاعدة على العكس ما عليه نحن المسلمين. إن المخرج الوحيد من هذا الضياع الذي نعيشه هو باقتفائنا هذا الشرع الحكيم ولا غيره.