شاب يقتل والده، وآخر يقتل أمه، وثالث يقتل زوجته، وأطفاله، ورابع، وخامس، يتصرفون كمَنْ لا عقول لهم، أو كأنهم وحوش مفترسة لا تبقي، ولا تذر. قصص كثيرة مؤلمة، وحزينة تقشعر منها الأبدان، ويندى لها الجبين، تجعل العاقل حيران، والسليم سقيماً، بسببها هدمت بيوت كانت مطمئنة، وهتكت أعراض شريفة مستكنة، وأزهقت أرواح زكية مستقرة، تلك القصص ليست من نسج الخيال، أو من أساطير الماضي البائس، أو حدثت في تلك البلدان البعيدة، بل هي قصص، ومآسٍ عاشتها بعض البيوت، التي قد نكون نسكن إلى جوارها، أو حولها، أو نبعد عنها قليلاً، أو نكون قربها. حدثت في مجتمعنا، الذي بلا شك، ليس مجتمعاً ملائكياً، بل هو مجتمع مثل غيره من المجتمعات البشرية، التي تجد فيها الخير، والشر. ونحن نقول موقنين، ولله الحمد، إن الخير في مجتمعنا يغلب الشر، ولكنْ لكل قاعدة شواذ. تلك القصص، والفواجع التي حدثت، وتحدث، لها أبطال مخذولون، بطولاتهم لم تكن خيراً لهم، ولا لأسرهم، أو مجتمعهم، تلك البطولات الخائبة جلبت لهم، ولأسرهم الويلات، والآهات، والحسرات. إنهم مدمنو المخدرات، الذين قادتهم شياطين الإنس، والجن إلى التهلكة، فهلكوا، وأهلكوا، وما كان ذلك سيكون، أو على الأقل سيكون الأمر أقل مما هو معلوم، ومعلن عن عدد المدمنين في بلادنا، لو كان كل أب، وأم، وكل أسرة توجه أبناءها إلى الصحبة الصالحة، ومرافقة الطيبين، والابتعاد عن رفقاء السوء، ويجالسون أبناءهم، ويصاحبونهم، ويصارحونهم، ويعطونهم الحرية في إبداء الرأي، ويغرسون الثقة في نفوسهم لا سيما في سن المراهقة، مع ملاحظة التغير في سلوكهم، وحركاتهم، وكلامهم، وانعزالهم، وغيابهم عن المنزل فترات متأخرة من اليوم، أو الليل دون مبرر، كذلك السهر، والنوم الطويل، وسوء الأخلاق، والعصبية، وترك الصلاة، والتعامل السيئ مع الأسرة، لا سيما مع الوالدين، كل هذه، وغيرها مؤشرات تدق ناقوس الخطر، وتنبه الأسرة إلى أهمية أخذ الأمر بجد دون التسرع في اتخاذ القرار، ولكن عند الملاحظة الأكيدة، والشعور الغالب بأن الابن قد وقع في طريق الخطأ، طريق الشر، والشيطان من خلال تعاطي، أو إدمان المخدرات، فعلى الأسرة المبادرة الفورية في معالجة ابنهم قبل استفحال الخطر، ووقوع الفأس في الرأس، فيعتريهم الندم، وحينها لا ينفع الصوت إذا فات الأوان، وأول طريق يمكن أن تسلكه الأسرة المكلومة هو الطريق الذي أطلقته مشكورة وزارتا الداخلية «المديرية العامة لمكافحة المخدرات»، والصحة «مجمعات الأمل في المناطق»، عبر خدمة الاتصال المجاني على الرقم «955» للأسر الراغبة في التبليغ عن أبنائها المدمنين بشكل سري، وقد وضعت الوزارتان استشاريين متخصصين في مركز متخصص للرد على الاستفسارات الواردة إلى الهاتف المجاني من الساعة الثامنة صباحاً، حتى العاشرة مساء، لمساعدة الأسر في كيفية التعامل مع أبنائهم، وتوجيههم إلى الطريق الصحيح في التعامل مع مثل هذه الحالات، فضلاً على أن الأمر سيكون بشكل حضاري، وسري، مع ضمان عدم معاقبة الأبناء، أو مراقبتهم أمنياً. شكراً وزارة الداخلية، شكراً وزارة الصحة، شكراً لكل أب يكتشف أن ابنه مدمن، أو يواجه خطر الإدمان فيبادر إلى علاجه، فهو بذلك يساهم في إصلاح ابنه، الذي هو أيضاً أحد أبناء الوطن الغالي، الذين ندعو لهم بالهداية، والصلاح. إن على كل أب، وكل أسرة عدم التساهل في مثل هذه الأمور بداعي الخوف من العار، والفضيحة، فالأمر إذا عولج منذ البداية كان أسهل، وأسرع في العلاج، والعكس صحيح. نعالج ابننا اليوم قبل أن يستفحل الإدمان فيه فيصاب بالجنون، أو يموت، أو يرتكب جرائم شنيعة بسبب هذا السم، الذي يقود تعاطيه إلى ارتكاب الجرائم ثم السقوط في الهاوية. حفظ الله شبابنا، ووفقهم لكل خير، وجنَّبهم كل ما فيه شر.