منذ مائة عام لم يكن أحد يتخيَّل ثورة الاتصالات التي ستحدث، الفاكس في بداية ظهوره كان أعجوبة، كيف تنتقل المعلومات من ورقة في يدك، لتصبح خلال ثوانٍ في يد آخر في بوسطن مثلاً؟، المفهوم العقلانيّ للأشياء الماديّة المحسوسة، كان لا يستوعب ذلك، وحتّى عندما يتمّ شرح آليات الاتصال، والاتصال اللاسلكي، وتقنية الأقمار الاصطناعية، حتّى عندما يتمّ شرح ذلك وفق أسسه العلمية، يبدو للعاقل الفرد المجرّد ضرباً من القُدرة الهائلة، والعقليات الخارقة. أنت لا ترى الهواء، وكذلك لا ترى موجات اتصال الجوّال، أنت لا تُمسكُ الألوان، ولكنك تستطيع إرسال صورة ملوّنة لما تراه لآخر، في مكان من هذا العالم. العالمُ الذي لا تراه، الموجات التي تنتشر في الفراغ الذي يضمّك، إشارات الريموت كنترول التي ترسلها من يدك لجهاز التلفاز البعيد، والريموت كنترول الآخر الخاص بالتكييف، جوّالك، كلّ هذه هي وحدات إلكترونية تقوم بدور فاعل وغير مرئي ضمن إشارات رقمية منتظمة. هناك أيضاً، حيثُ لا ترى، وحدات إلكترونية حيوية تقوم بدور فاعل وغير مرئي ضمن إشارات كونية منتظمة، وأنت جهاز الاستقبال والإرسال.. فهل أنت على اتصال مع أحدٍ الآن؟ يحدث أحياناً أن تكتشف أنّك كنت في (سالفة) طويلة مع نفسك، كنت تتكلم وترد عليك في نفس الوقت، تتذكّر أنّ الكلام كلامك، والأفكار أفكارك، والصوت صوتك، ولكنّك متأكد من أن أحداً ما، ليس أنت كان يحدثك، بك. حتى عندما تكون في مكان مزدحم بالناس، عند حديث متّصل مع شخص، أو أشخاص، هناك من يتحدث إليك في رأسك، وتفكران سويّا، وتنطقُ أنت.. لو تأمّلتَ قليلاً فستعرفُ بفطرتك أنّ شيئاً ما حادثٌ حولك، لا تراه، لا تدركه، لا تشعر به، ولكن ليس من المستحيل إذاً كنت مهتماً أن تعرفه.. فهل أنتَ أنتْ؟، أو بمعنى أدقّ، ما أنتْ؟، الجسد أم الروح؟، ما ترى أم ما لا ترى؟، هل نفسكُ هي روحك؟، هل تفاصيل وتفريعات ما لا ترى فيك واضحٌ لك؟، هل ترغبُ في أن تراك بالكلّية؟ هل ما لا تراهُ فيك يخيفك؟ يخيفك غموضه وغيبيته؟. سيقتضي أولاً أن تعرف أن ما نتحدثُ عنه ليس تأثيراً هلاميّاً، وإنما تأثيرُ ك«أنتْ»، كشيءْ، كفاعل، كمؤثّر، إنّ ما لا تراه فيما يُخصّك يؤثّر في الآخرين قبلك، أنت لا تفعلُ شيئاً كذاتْ، بل ما لا تراه من فعلك هو الفعل. يمكن قياس تأثير ما لا تراه فيك بوسائل عديدة، العلمُ والتقدم التكنولوجيّ لم يترك شيئاً، يمكنك أن تتعرَّض لجهاز يظهر تموّجات طاقتك كحزم ضوئية، كأطياف تحيط بك، بدراسة كلّ طيف وفق مقاييس معينة، يمكن معرفة أمراضك وعللك، بل ومعرفة خصائصك النفسية ككمية الكراهية التي لديك، وكمية الحب التي تحمل، إن ما لا تراه يقول لك عنك ما لا تعرفه فيك.