أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح آل طالب، أن أعظم ما يسيء للإسلام ويبطئ من دعوته ويحد من انتشاره، تصرفات بعض المسلمين، وخاصة من يظنون أنفسهم من المحافظين عليه، حيث رأينا في السنوات المتأخرة جرائم من أمثال هؤلاء عملت على الإساءة للإسلام والدعوة إليه ما لم يستطِع أعداؤه مثله، لم تكن ساحتها ساحات حرب أو ضحاياها محاربين، بل كانت مدارس المسلمين وبيوتهم وأسواقهم، وكانت آخرها جريمة الهجوم على مدرسة أطفال في باكستان راح ضحيتها أكثر من 130 قتيلاً معظمهم من الأطفال، مؤكداً أنه لا عذر لأولئك القتلة عند الله ولا تبرير من أي عقل وعاقل، ولن يقبل صنيعهم ضميرٌ أو تستسيغه مروءة، وقد ولغ القتلة في دم حرام وأزهقوا أنفساً لم يجرِ قلم التكليف على أكثرهم. وتساءل في خطبة الجمعة أمس بالمسجد الحرام قائلاً: «ما ذنب هؤلاء وما ذنب أطفال سوريا والعراق وغيرهم ممن يمطرون بالقتل صباح مساء ويشردون في جوع وخوف وزمهرير الشتاء، هم المجرمون والإسلام منهم براء». مشيراً إلى أن من أصول ديننا والمعلوم منه بالضرورة عصمة الدماء وتعظيم خطرها، ومع ذلك نرى سفكه أهون ما يكون عند كثيرين يجترئون عليه بآراء منحرفة وفتاوى مزيفة. وقال: لقد حفظ الإسلام دماء صبيان الكفار المحاربين فكيف بصبيان المسلمين الآمنين! نعوذ بالله من الانتكاسة في الدين وسلوك سبيل الخوارج الغالين، ونسأل الله أن يكفي المسلمين شرورهم وأن يردهم على أعقابهم، وأن يرحم موتى المسلمين ويشفي الجرحى والمصابين، عزاء المسلمين لأسر الضحايا، رحم الله الأموات وأخلف على ذوي الأطفال وجعلهم لهم شفعاء وفي كفالة أبيهم إبراهيم عليه السلام. وأوضح آل طالب أن الدعوة إلى الله جالبة محبته تعالى، وأن أعظم النفع للناس هو نفعهم في تصحيح معتقدهم ودينهم وزيادة الإيمان لديهم وتزكية أخلاقهم وسلوكهم ومحاربة الباطل والشهوات التي تعترضهم، مشيراً إلى أنه يكفي الدعاة سمواً وفوزاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة. وقال: إن الله تعالى بعث رسله ليدلوا الناس عليه ويبصروا الخلق بالطريق الموصل إليه، وكلما عفت معالم رسالة سابقة وخفت وهج النبوة في نفوس أتباعها بعث الله رسولاً يجدد من معالم الدين ما اندرس ويحيي في الناس ما عفا منها أو التبس، فلما ختم الله النبوة بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم جعله خير الرسل وأمته خير الأمم، ومن كرامة الله تعالى لهذه الأمة أن شرفها لتقوم بوظيفة الرسل في الدعوة إلى الله والدلالة عليه، والدعوة إلى الله تكليف دائم لهذه الأمة، فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وينذروا كما أنذر. وأضاف: «فالأمر يقضي وجوب الدعوة على كل واحد حسب طاقته وإن كانت فرض كفاية، فأي كفاية والأمة اليوم غارقة في كثير من أحوالها في الجهل وضعف الاتباع والانحرافات والبدع مع كثرة المحتاجين للدعوة والتعليم من المقبلين، فضلاً عن الأمم الضالة والكافرة! إلا أن مستهل كل دعوة ومبتدأ كل رسالة هو الدعوة إلى توحيد الله العظيم وإفراده بالألوهية والربوبية، وهذا أساس دعوة الرسل جميعاً، وما تضمنته تفاصيل تلك الرسالات يعود إلى هذا الأصل العظيم». وأردف: «كفى للمؤمن شرفاً أن يدعو إلى ما دعا الله إليه، والله يدعو إلى دار السلام، وأنه لا توجد وظيفة في الإسلام أشرف قدراً وأسمى منزلة وأرحب أفقاً وأثقل تبعة وأوثق عهداً وأعظم عند الله أجراً من وظيفة عالم الدين، لأنه وارث لمقام النبوة وآخذ بأهم تكاليفها وهي الدعوة إلى الله وتوجيه خلقه إليه وتزكيتهم وتعليمهم». وحث ابن طالب الدعاة والمصلحين على القيام بما استُحفظوا عليه من نشر الدين والفضيلة ودحر الشر والرذيلة وإيقاف المد الإفسادي المعلن الذي يجتاح العالم بأسره، مؤكداً أنه ما ضعفت الدعوة في بلد أو غابت إلا نقصت الشريعة واختلت العقيدة واضمحلت العبادات والسنن واختل الأمن ونشط الفكر الضال. وأوضح أن من أعجزته طريقة وجد أخرى، ومن أُغلق عليه باب فُتحت له أبواب، وهو النصح الميسر للجميع، وأنه يجب أن يثبت الداعي على أشده في الدعوة والبلاغ والأمر والنهي حسب الضوابط الشرعية وحسب الاستطاعة، وأن توطن النفوس على تحمل الأذى والابتلاءات التي تترتب على الدعوة والتبليغ، وأن نعلم أن في قلوب الناس خيراً كثيراً. ولفت إلى أن من المسلمين من فتح الله عليه في العلم والفقه ومعرفة الأحكام والتعليم، ومنهم من فتح عليه في الوعظ وترقيق القلوب، ومنهم في النصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنهم من انشغل بنشر الكتب، وآخرون بمدافعة الباطل، وأنهم كلهم على ثغر من الإسلام، ولا يجوز أن يكون هذا التنوع المفيد سبباً للفرقة والنزاع، بل كلٌّ مسخر لما خُلق له. وفي المدينةالمنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي، عن فضل إصلاح ذات البين، قائلاً: إن أحب شيء إلى الله تعالى صلاح النفس والإصلاح، وهو تقويم ما انحرف من أحوال الفرد والمجتمع، أو إصلاح ما فسد من العلائق على مقتضى الشرع الحنيف. وأبان أن إصلاح ذات البين باب من أبواب الجنة وأمان من الفتن الخاصة والعامة وجلب للمصالح ودرء للمفاسد التي يعم ضررها ويطير شررها، وسد لأبواب الشيطان التي يدخل منها على الإنسان. وأضاف أن المتأمل في تاريخ الأفراد والأمم يجد أن الشرور اتسعت دائرتها لغياب فضيلة إصلاح ذات البين، ويجد شروراً وفتناً دُفعت بسبب إصلاح ذات البين، حيث إنه من مقاصد الإسلام العظيمة وتعاليمه.