أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح آل طالب، أن الدعوة إلى الله جالبة لمحبته تعالى وأن أعظم النفع للناس هو نفعهم في تصحيح معتقدهم ودينهم، وزيادة الإيمان لديهم، وتزكية أخلاقهم وسلوكهم، ومحاربة الباطل والشهوات التي تعترضهم؛ مشيراً إلى أنه يكفي الدعاة سمواً وفوزاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة. وقال "آل طالب" في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "الله تعالى بعث رسله ليدلوا الناس عليه ويبصّروا الخلق بالطريق الموصلة إليه، وكلما عفت معالم رسالة سابقة وخَفّ وهج النبوة في نفوس أتباعها، بعث الله رسولاً يجدد من معالم الدين ما اندرس، ويحيي في الناس ما عفا منها أو التبس؛ فلما ختم الله النبوة بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، جعله خير الرسل وأمته خير الأمم، ومن كرامة الله تعالى لهذه الأمة أن شرّفها لتقوم بوظيفة الرسل في الدعوة إلى الله والدلالة عليه، والدعوة إلى الله تكليف دائم لهذه الأمة؛ فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وينذروا كما أنذر".
وأضاف: "الأمر يقضي وجوب الدعوة على كل واحد حسب طاقته، وإن كانت فرض كفاية فأي كفاية والأمة اليوم غارقة في كثير من أحوالها في الجهل وضعف الاتباع والانحرافات والبدع، مع كثرة المحتاجين للدعوة والتعليم من المقبلين؛ فضلاً عن الأمم الضالة والكافرة؛ إلا أن مستهلّ كل دعوة ومبتدأ كل رسالة هي الدعوة إلى توحيد الله العظيم، وإفراده بالألوهية والربوبية، وهذا أساس دعوة الرسل جميعاً، وما تضمّنته تفاصيل تلك الرسالات يعود إلى هذا الأصل العظيم".
وأردف إمام الحرم: "كفى المؤمن شرفاً أن يدعو إلى ما دعا الله إليه، والله يدعو إلى دار السلام، وأنه لا توجد وظيفة في الإسلام أشرف قدراً وأسمى منزلة وأرحب أفقاً وأثقل تبعة وأوثق عهداً وأعظم عند الله أجراً من وظيفة عالم الدين؛ لأنه وارث لمقام النبوة وآخذ بأهم تكاليفها وهي الدعوة إلى الله وتوجيه خلقه إليه وتزكيتهم وتعليمهم".
وتابع بقوله: "الدعوة إلى الله تُثمر لصاحبها الثبات على الهدى والبركة في الأهل والذرية، وتدفع المنكرات وتقطعها، وتدحض شبه المظلين وتدفعهم، ويصلح بها حال المجتمع، وتنشر الإسلام وتعزه وترفع شأنه، وكفى بها شرفاً أنها سبيل قيام الدين الذي ارتضاه للناس رب العالمين، وترويضهم على الحق حتى يفهموه ويقبلوه، ثم يعملوا به ويعملوا له".
وحثّ الشيخ "آل طالب" الدعاة والمصلحين على القيام بما استُحفظوا عليه من نشر الدين والفضيلة ودحر الشر والرذيلة وإيقاف المد الإفسادي المعلن الذي يجتاح العالم بأسره؛ مؤكداً أنه ما ضعُفت الدعوة في بلد أو غابت إلا نقصت الشريعة، واختلت العقيدة، واضمحلت العبادات والسنن، واختل الأمن، ونشط الفكر الضال.
وقال: "لِحمل الحق أعباء مرهقة؛ فما صادم أحد شهوات الناس وأهواءهم إلا عادوْه، وكذلك كان شأن الأنبياء قبلهم؛ فلا بد من الصبر على تثبيط الخاذلين وكيد المعوقين والمخالفين، والسعي بالمرحمة للخلق أجمعين".
وأضاف: "كان نبينا صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على هداية الخلق؛ لما أنزل إليه {يا أيها المدثر، قم فأنذر}؛ قام صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله وما قعد، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، بذل روحه وراحته لدعوة الخلق وتعليمهم وهدايتهم، كان يستغل جميع المواقف لوعظ الناس وتذكيرهم بالله في كل مكان وحال وزمان".
وأردف: "الدعوة إلى الله غير محصورة بوقت ولا مكان؛ فهذا نوح عليه السلام يقول: {رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً}، ويسلك طرق منوعة {ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً}".
وتابع في خطبته: "من أعجزته طريقة وجد أخرى، ومن أغلق عليه باب فتحت له أبواب، وهو النصح الميسر للجميع، وأنه يجب أن يثبت الداعي على أشده في الدعوة والبلاغ والأمر والنهي حسب الضوابط الشرعية وحسب الاستطاعة، وأن توطن النفوس على تحمل الأذى والابتلاءات التي تترتب على الدعوة والتبليغ، وأن نعلم أن في قلوب الناس خيراً كثيراً".
ولفت إلى أن من المسلمين مَن فتح الله عليه في العلم والفقه ومعرفة الأحكام والتعليم، ومنهم من فُتِحَ عليه في الوعظ وترقيق القلوب، ومنهم في النصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنهم من انشغل بنشر الكتب، وآخرون بمدافعة الباطل، وأنهم كلهم على ثغر من الإسلام، ولا يجوز أن يكون هذا التنوع المفيد سبباً للفرقة والنزاع؛ بل كل مسخر لما خُلِق له.
وشدد خطيب الحرم على أن أعظم ما يسيء للإسلام ويبطئ من دعوته ويحد من انتشاره، تصرفات بعض المسلمين وخاصة من يظن نفسه من المحافظين عليه؛ حيث رأينا في السنوات المتأخرة جرائم من أمثال هؤلاء، عملت في الإساءة للإسلام والدعوة إليه ما لم يستطع أعداؤه مثله، لم تكن ساحته ساحة حرب أو ضحاياه محاربون؛ بل كان مدارس المسلمين وبيوتهم وأسواقهم، وكان آخرها جريمة الهجوم على مدرسة أطفال في دولة الباكستان، راح ضحيتها أكثر من مائة وثلاثين قتيلاً، معظمهم من الأطفال.
وقال: "لا عذر لأولئك القتلة عند الله، ولا تبرير من أي عقل وعاقل، ولن يقبل صنيعهم ضمير أو تستسيغه مروءة، وقد ولغ القتلة في دم حرام وأزهقوا أنفساً لم يجرِ قلم التكليف على أكثرها".
وتساءل قائلاً: "ما ذنب هؤلاء وما ذنب أطفال سوريا والعراق وغيرهم ممن يمطرون بالقتل صبح مساء، ويشردون في جوع وخوف وزمهرير الشتاء، المجرمون والإسلام منهم براء، وإن من أصول ديننا والمعلوم منه بالضرورة عصمة الدماء وتعظيم خطرها، ومع ذلك نرى سفْكه أهون ما يكون عند كثيرين، يجترئون عليه بآراء منحرفة وفتاوى مزيفة".
وأضاف: "لقد حفظ الإسلام دماء صبيان الكفار المحاربين؛ فكيف بصبيان المسلمين الآمنين، نعوذ بالله من الانتكاسة في الدين وسلوك سبيل الخوارج الغالين، ونسأل الله أن يكفي المسلمين شرورهم، وأن يردهم على أعقابهم، وأن يرحم موتى المسلمين، ويشفي الجرحى والمصابين، عزاء المسلمين لأسر الضحايا.. رحم الله الأموات، وأخلف على ذوي الأطفال وجعلهم لهم شفعاء وفي كفالة أبيهم إبراهيم عليه السلام".
وفي المدينةالمنورة؛ تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي، عن فضل إصلاح ذات البين؛ قائلاً: "أحب شيء إلى الله تعالى, صلاح النفس والإصلاح، وهو تقويم ما انحرف من أحوال الفرد والمجتمع, أو إصلاح ما فسد من العلائق على مقتضى الشرع الحنيف".
وأضاف: "إصلاح ذات البيْن باب من أبواب الجنة، وأمان من الفتن الخاصة والعامة، وجلب للمصالح، ودرء للمفاسد التي يعم ضررها ويطير شررها، وسد لأبواب الشيطان التي يدخل منها على الإنسان".
وأردف: "المتأمل في تاريخ الأفراد والأمم، يجد أن الشرور اتسعت دائرتها لغياب فضيلة إصلاح ذات البين، ويجد شروراً وفتناً دُفعت بسبب إصلاح ذات البين؛ حيث إنه من مقاصد الإسلام العظيمة وتعاليمه؛ مورداً قول الحق تبارك وتعالى {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ}, وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة)".
وأوضح الشيخ "الحذيفي" أن من ذلك الإصلاح بين الزوجين فيما اختلفا فيه، بما يضمن لكلٍ حقه؛ مستشهداً بقول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}, وقوله جل من قائل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}؛ مبينًا أن الصلح يحافظ على كيان الأسرة من التصدع.
وقال: "الإصلاح بين الأقرباء وبين المتخاصمين من المسلمين, من أعظم الحسنات لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ حاثاً جموع المسلمين على عدم ترك هذا الباب؛ لما فيه من الخير الكثير؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلح بين أصحابه, كما سعى في هذا السبيل الصحابة رضوان الله عليهم.
وحثّ الشيخ "الحذيفي" جموع المصلين على تقوى الله حق تقاته؛ لما في ذلك من الخير العميم والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.