تحتضن مدينة الطائف مجموعة من مواقع التراث العمراني الضاربة في عمق التاريخ الإنساني والحضاري، أبرزها القصور التراثية التي مازالت تقف شامخة بطرازها المعماري الفريد منذ أوائل القرن الرابع عشر الهجري حتى الآن، كقصري «بيت الكاتب والكعكي» اللذين يشهدان على تطور الإنسان في الطائف عبر العصور الماضية في مجالي العمارة والبناء. وبعد أن صدرت توجيهات الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بإنشاء مركز لتاريخ الطائف في أحد المباني أو القصور التراثية والتاريخية، أعلنت دارة الملك عبدالعزيز عن عزمها العمل على إعادة ترميم قصر «بيت الكاتب» التاريخي في الطائف وتهيئته ليكون مركزاً لتاريخ الطائف وتحويله لمعلم وطني ثقافي وتاريخي. ووقع الاختيار على «قصر الكاتب» نظير ما يتميز به من طراز معماري فريد من نوعه، حيث يقف القصر شامخاً بأعمدته وتيجانه وأقواسه، لافتاً الأنظار بنوافذه الخشبية المزخرفة بدقة عالية في التصميم، مجسداً اندماج فن العمارة الإسلامي بفن العمارة الروماني مع نظم فن العمارة التقليدية لمنطقة الحجاز، ومدينة الطائف خصوصاً. وامتاز القصر عن بقية القصور التراثية القديمة في الطائف بكثرة المجسمات الحجرية والجصية والأجورية المتنوعة ذات الأشكال والأحجام المختلفة التي تعد تحفاً فنية رائعة المنظر، لما تحمله من رسومات وصور وأشكال هندسية لحيوانات ونباتات تعبر عن ما تتمتع به البيئة الطبيعية للطائف من ثروة حيوانية كبيرة على مر العصور. وإلى جانب قصر الكاتب، يبرز في الطائف قصر «بيت الكعكي» في حي السلامة الذي شُيِّد عام 1358ه خارج سور الطائف القديم، ويحده من الشرق شارع أبي جعفر المنصور، ومن الغرب شارع القرطبي، ومن الشمال شارع السيوطي، ومن الجنوب شارع سلامة. وبني القصر من حجر الجرانيت، والنورة، والأجور، والبطحاء، وخشب العرعر، وخشب الماهوجني والزان، والحديد، والزجاج الملون، وزاد جمال شكل القصر حجر الجرانيت البياضي النظم أو المهذب الذي بني به وهو خمسة أشكال «الدستور، والدائر، والغرز، والحدة 1، والحدة 2». وتستخدم هذه الأشكال في جميع أنواع المباني والقصور حيث كانت توجد عدة معامل للقطع وإنتاج حجر البناء الذي تقوم به خمس ورش قديماً تختص بقطع الأحجار وتكسيرها من جبال الطائف: السكارى، والغمير، والقيم، وأم السباع، وحجرة أبو خشيم الموازي لشارع الجيش. ويتكون القصر من ثلاثة طوابق بنيت على نهج الفن الهندسي المعماري الروماني مع الحفاظ على التقاليد الهندسية المحلية وشخصيتها في منطقة الحجاز، وقد ازدان القصر بأعمدة من الحجر والنورة وزُخرِف بزخارف مميزة تمتد حتى الأسطح. وللقصر مساحات داخلية واسعة، يقابلها ديوان ملحق بصوان تخرج منهما سلالم للأعلى، والقصر من الداخل متشكل الأطراف والجوانب والجدران وجميع أجزائه الداخلية مصنوعة من الحجر والرخام والنورة، ويجاور القصر بستان تزرع فيه الفواكه والخضراوات والزهور يمتد باتجاه الشمال والشمال الشرقي، كما يوجد فيه بئر مضمورة كان القصر يزود منها بالمياه العذبة. وطليت جدران قصر الكعكي من صخور النورة، كما بنيت فيه (10) دورات مياه، وستة مطابخ منتشرة في أدوار القصر الثلاثة. ويوجد للقصر بابان إضافة للبوابة الرئيسة باتجاه الشرق شُكِّلت بالأعمدة والأقواس، كما يوجد فيه أربعة أسطح محاطة بأسوار يعلوها مجسمات رخامية وزخارف ذات أشكال هندسية بطابع شرقي حجازي، فيما تتشكل النوافذ والشبابيك بصورة متناغمة مع التشكيل المعماري الخارجي للقصر.