عبَّرت الأغنية الشعبية في عالمنا العربي عن هموم المجتمع وحياته الإنسانية وهمومه الاقتصادية وانكساراته السياسية، لتعتبر في كثير من الأحوال نبض الشارع ولغته البكر التي تحكي عن هموم الفقراء وأحلامهم البسيطة. ولعلنا لاحظنا في الآونة الأخيرة خروج نوع جديد من الأغاني الشعبية في عديد من الدول العربية التي يصعب فهم مفرداتها التي خرجت من أروقة العشوائيات والحارات والطرقات، وأصبحت متداولة على ألسنة الشباب الذين حوَّلوا لغة الشوارع إلى أغان باستخدام ألفاظ غير مفهومة، وموسيقى مشوهة ورديئة فاقت كل التوقعات، بشكل أفسد الذوق العام، وجعل من هذه الأغاني موضة غريبة أنبتت لغة شبابية، وشفرة يصعب فهمها بين الشباب. والمتابع لهذه الحالة الهزلية في الغناء الشعبي يترحم بالضرورة على أيام أحمد عدوية وشعبان عبدالرحيم وحسن الأسمر، وحتى سعد الصغير وحكيم، وأغاني علي الديك، وغيرهم من المطربين الشعبيين، بعد تبني الأفلام السينمائية أغاني معدومة الشكل والمضمون والمعنى، تحمل اسم الأغنية الشعبية التي يتداولها الشباب في عالمنا العربي، وكأن صناع السينما قد راهنوا على نجاح هذا النوع من الأغاني ورواجه وانتشاره كالنار في الهشيم، مما كرَّس جيلاً جديداً من مستمعي «أوكا» و «أورتيجا»، واستساغة جملة موسيقية تقول كلماتها «أديك في الجركن تركن»، التي حصدت الملايين، بعد إقحام هذه الأغاني داخل سياق الأفلام بهدف الترويج وإنجاح التجربة الدرامية، بعد الاستعانة بهذه الأغاني البعيدة عن السياق الدرامي، وبتأييد من المنتجين الذين تاجروا بالذوق العربي الذي يتابع ويتأثر بالأفلام المصرية التي تعرض يومياً على الفضائيات، كنوع من (الدعارة الغنائية) التي لاتحترم أعرافاً أو مجتمعات أو أخلاقيات، لتحول جيلاً بأكمله إلى ثقافة التاكسي والميكروباص والمراكب الليلية والتوك توك، ليردد الجميع عبارات لايفهمون معانيها على مرأى ومسمع من العالم. إن ما يحدث يتطلب رقابة على المصنفات المصرية التي نقلت كافة التصرفات والأخلاقيات في الشوارع والأزقة والحواري إلى السينما، ومنها عمَّمَت التجربة واللغة الغريبة على الجيل الجديد، ونُقلت لتكون مستساغة لدى الذوق العام بكل ما فيها من دعوة للإسفاف والابتذال وترديد عبارات خاصة بالمساطيل على أنها أغانٍ شعبية شبابية. ويعتبر الامتداد في هذه النوعية إلى دول الخليج العربي والانتشار الكبير لأغنية «طني ورور»، وأغاني الدقاقات القديمة التي تم استحضارها وقبولها كنمط شعبي في الخليج كارتداد لما يحدث من فوضى غنائية، وتدهور في الذوق، وقبول ما لا يقبل، بل اعتباره ثقافة حتمية. إننا أمام مدٍّ غريب لموسيقى عاتية بلا معنى، تنشر ثقافة وكلمات الشوارع على أنها موسيقى شعبية، متجاهلة تاريخ الأغاني الشعبية التي كانت تحمل حكايات الفلاحين في ألحان وأغاني سيد درويش، وعبد المطلب، والموجي الصغير، ممن قدَّموا الموسيقى العربية بكل جمال وثراء.