لم تكن شادية ولا مها صبري إلا نجمتين تجاوزهما إلى صوت آخر. لم يكن صوت مطرب ولا مطربة. الأداء الدرامي له متطلبات مختلفة عن إمكانيات مهارات المطرب أو المطربة. الصوت الدرامي كان هاجساً عند الشريعي. معظم الأصوات كانت مساحات خضراء للغناء التقليدي (ما يسمى طرباً!)، والتعبيري (ما يدعى رومانسياً!)، والشعبي (ما يدعى فلكلوراً!). وضعت الصدفة الشريعي في طريق عبد المنعم مدبولي لينجز موسيقى وأغاني مسلسلين شهيرين: الأول "أبنائي الأعزاء.. شكراً" (1978) -اشتهر لاحقاً باسم "بابا عبده"-، والثاني "لا.. يا ابنتي العزيزة" (1979) مع هدى سلطان. بالإضافة إلى وضع ألحان مسرحية "إنها حقاً عائلة محترمة" (1979) لفؤاد المهندس وشويكار، ومنها سيواصل أعماله الغنائية الدرامية، وهو ما سيحكم أعماله لاحقاً ضمن اتجاه "الأغنية الواقعية" (تتضمن مراجع ومصادر غنائية بلدية وشعبية وجماهيرية محلية وعربية ومتوسطية)، وقطع مع جيله عهد الأغنية التعبيرية والتقليدية والشعبية (التي أعاد تشكيلها) نهائياً غير أنه حاول مواكبة جيله –وهم يسبقونهم قليلاً- كل من حلمي بكر وميشيل المصري ومحمد سلطان ومحمد نوح. ويمكن أن نقول بيقين نقدي أن بليغ حمدي (1932-1993) المسؤول عن هذا الجيل فقد تراكمت منجزاته الغنائية والموسيقية سواء في برامج أو أفلام أو مسرحيات. بصورة نقدية وتنقيحية لما سبقه من جيل قصر الغناء والموسيقى على نخب تقيس العمل الفني بمرجعيات شرقية (عثمانية وفارسية) وأوروبية (فرنكوفونية) وهمش تراث الثقافة الشعبية في الأعمال التقليدية (القوالب: الدور والموشح..) والروحية والشعبية ذات المرجعيات الريفية والبحرية والصحراوية. أعاد حمدي توليفها في أعمال مبتكرة حملت بصمته مثل أغنياته الشعبية مع محمد رشدي وشادية، ومسرحياته الغنائية مع هدى سلطان ووردة وعفاف راضي. بالإضافة إلى توظيف خزين متنوع من التراث الشعبي في نماذج تعيد صياغة القوالب التقليدية والشعبية والتعبيرية. تلك الأعمال وضعت جيل الشريعي في اختبار الوجود الثقافي. وقد أسهم حمدي نفسه في كثير من أعمال لاحقة شكلت مزاحمة تنافسية نظراً لتمتعه بموهبة كبيرة وخبرة عميقة وغزارة إنتاجية ورقماً صعباً في السوق الفني. وبرغم أن شخصيات فنية تكرست في الذاكرة مثل محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وزكريا أحمد تفوقت نماذج أعمال فريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمود الشريف وصارت ملهمة مع استعادة لأعمال سيد درويش كمرجعيات متنافرة لم تصنف وتفرق الوعي والتجاهل لدى كل واحد بشخصه. وقد ركز الشريعي على الدراما الغنائية ودخلها مع الممثل عبدالمنعم مدبولي -كما ذكرت- وتابع ذلك مع فؤاد المهندس في المسرح لأكثر من مرة، كذلك ما قدمه لاحقاً لكل من صفاء أبو السعود وسعاد حسني (مسلسل "هو وهي" 1985)، وشريهان (في مسرحية "علشان خاطر عيونك" 1987)، ونيللي (في فوزاير "الدنيا لعبة" 1995) ولوسي (فوازير "أبيض وأسود" 1997) ضمن الإطار الاستعراضي في الدراما التلفزيونية والمسرحية بالإضافة إلى الفوازير الموسمية في رمضان.