الوحشية المفرطة التي يبديها جيش الاحتلال الصهيوني في عدوانه على غزة وعمليات القتل الممنهج وذبح الأطفال وقصف الملاجئ والمستشفيات وسيارات الإسعاف ليست عمليات انتقام عشوائية أو ناتجة عن الغضب من الخسائر التي ألحقتها به عمليات المقاومة كما حاول بعض المحللين تفسيرها. الحقيقة هي أن بقاء دولة إسرائل ذاته مرتبط بما يسمّى توازن الرعب، ولدى مؤسسيها منذ الجيل الأول عقيدة راسخة مفادها أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر ويتوسع دون أن يشعر الطرف المحتلة أراضيه بأنه يواجه قوة كاسحة لا قبل له بها، قوة مرعبة بلا قلب ولا سبيل لمواجهتها إلا بالفرار والهجرة وترك الأرض بما عليها للطرف المستبد الذي لا يقهر. لذا فإن ما يمارسه الصهيوني المحتل اليوم في غزة لا يختلف عن ممارساته في كل الحروب التي خاضها على مدى سبعين عاماً؛ الفرق الوحيد في غزة اليوم أن جرعة الرعب التي يقدمها الصهيوني لم تعد كافية، ما عادت إبادة الأحياء و هدم البيوت على ساكنيها كافية لبث الهلع المطلوب، لقد أصبح الفلسطينيون في غزة محصنين ضد كل أنواع الرعب المخلوطة بالدم والبارود وأمسوا يدفنون شهداءهم ويداوون جرحاهم دون ضوء أو ماء أو كهرباء لكنهم في ذات الوقت يحتفلون بخبر أسر أحد جنود الاحتلال كأنهم يحتفلون بفوز فريقهم بكأس العالم. هذا الصمود والتماسك هو ما يصيب جيش الاحتلال بالرعب هو ما يدفعه لإطلاق مزيد من الصواريخ والقنابل هو الذي سيؤدي بإذن الله إلى اختلال ميزان الرعب الذي يحمي فكرة بقاء إسرائيل ذاتها. إن المعركة بين الفلسطينيين والصهاينة لم تحسم في يوم من الأيام بميزان القوة العسكرية وإلا لما تمكنت العصابات الصهيونية من الانتصار على 6 جيوش عربية و تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. ولا انتصرت في كل حروبها مع العرب بعد ذلك رغم أنهم في كل مرة يتوعدونها بإلقائها في البحر!. الانتصار في المعارك ضد المحتل يكون أول ما يكون بصلابة الإرادة والعزم الأكيد على البقاء في الأرض مهما كلّف الأمر. في التخلص من الشعارات والمزايدات وتوحيد الهدف. في انصهار الشعب ككتلة واحدة لها غاية وحيدة لا تحيد عنها هي طرد المحتل وتحرير الأرض، كذلك فعل الجزائريون والفيتناميون والبوسنيون على ضعفهم وقلتهم فانتصروا. هذا الكائن المقاوم في غزة الآن كائن عملاق له مليونا نفس و4 ملايين قدم و4 ملايين ذراع ولا يمكن أن يتراجع.. لا يمكن أن يصاب بالرعب.. لا يمكن أن يهزم مهما تكاثرت عليه الطعنات. لذا إن لم تستطيعوا أن تنصهروا فيه وتتوحدوا معه فكفوا أيديكم عنه وابتعدوا عن طريقه فهو يعرف جيداً ما يفعله!