نتحدث دائماً عن نظرية المؤامرة وما يحيكه العدو الخارجي من دسائس وقلما نتناول الارتياب والشك الذي يمارسه أفراد المجتمع ضد بعضهم بعضا. فالمجتمع لا يخلو من أفراد يتعاملون مع الناس بطريقة إحصاء الأنفاس وتأويل سلوكياتهم وأقوالهم بطريقة ارتيابية مفعمة بالوهم والتوجس وهي حالة معروفة في علم النفس تسمى ب(الذهان الزوراني) أو (الاضطراب الضلالي). هناك أسر عديدة تعاني من وجود حالة زورانية بين أفرادها حيث تجد هذا الفرد يتهم شخصاً أو مجموعة من الناس بمحاولة النيل منه وإهانته أو إيذائه بكل السبل وهذه الآراء والأفكار راسخة وغير قابلة للنقاش والمراجعة فصاحبها يتصف بالحدة والعناد والتعصب لآرائه مع بعض أوهام العظمة. ولديه القدرة على الجدل لمدة طويلة لإثبات صحة أفكاره وربما يستطيع إقناع بعض من حوله بهذه الأفكار لأنه يحاول دائماً تدعيمها بمواقف وأحداث واقعية ولكن المشكلة دائماً تكمن في التهويل والتفسير الخاطئ لهذه المواقف والأقوال ويزيد على ذلك أنه يضع كل من يشكك فيها في خانة العدو. تتحول هذه الحالة إلى حالة خطرة عندما يحاول صاحب التفكير البارانيودي الانتقام من الشخص المستهدف بحجة الدفاع عن نفسه أو عن المجتمع وعند القبض عليه تجده مرتاح الضمير لأن الضحية باعتقاده كانت تستحق هذا المصير. ومما ينبغي التفطن له أنه لا أحد محصن من الأفكار الذهانية فهي أحياناً تصيب كفاءات علمية مرموقة كأساتذة الجامعات والمهندسين بل وبعض المتدينين. وهذا ما يجعل (بارانويا الارتياب) خفية على عامة الناس فيتعاملون مع هذه الحالة المَرَضيّة سنين طويلة دون أن يعرفوا أسباب الصعوبة في التعامل مع هذا الشخص وجذور التصلب الكامنة في أعماقه.. وللحديث بقية.