تشهد محافظة جدة هذه الأيام حركة لإعادة بناء وترميم بعض المساجد التاريخية فيها، تنفيذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي وجه بترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية. وكان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، أعلن أثناء زيارته لجدة التاريخية قبل عامين، أن خادم الحرمين الشريفين تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية، هما: مسجد الشافعي ومسجد المعمار اللذين بدأ الترميم فيهما فعليا مؤخراً. والزائر للمنطقة التاريخية لمدينة جدة حالياً تستوقفه أعمال الترميم التي يشهدها مسجد الشافعي، أو «المسجد العتيق» كما يسميه أهالي جدة، في حارة المظلوم (إحدى حارات جدة القديمة)، ليتحول المكان إلى ورشة عمل آلية وبشرية لترميمه. ويقع المسجد بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وإلى الشرق منه يوجد سوق النسيج والملابس المعروفة بسوق البدو. ويعقد أهالي جدة آمالهم على نجاح مشروع ترميم مسجد الشافعي؛ حيث يعد أول مشروع لترميم مبنى تراثي مصنف على الطريقة المعتمدة العلمية لدى اليونسكو، وسيتم الاستفادة من تلك التجربة عند ترميم المباني التراثية الأخرى في المنطقة التاريخية في جدة. ومن المتوقع أن تنتهي أعمال المسجد في نهاية أغسطس المقبل، بعد أن مر بمراحل إعادة بناء على مدى ثمانية قرون مضت، تبعها ترميمات على مر العصور، كان آخرها ما تم في عهد الدولة السعودية الثالثة. وعلى الرغم مما تضمه منطقة البلد التاريخية في جدة من آثار ومبانٍ ضربت جذورها في عمق التاريخ القديم، إلا أن مسجد الشافعي عدّ من أقدمها. ويجري الآن العمل في مشروع ترميم المسجد تحت إشراف فريق عمل فني وخبراء عالميين. وجذبت أعمال الترميم فريقاً مختصاً بالتراث العمراني في الهيئة السعودية للمهندسين لزيارة المسجد، والاطلاع على أعمال الترميم بمرافقة مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار في جدة، محمد العمري، ورئيس المجلس البلدي في جدة، الدكتور عبدالملك الجنيدي، يرافقهم المشرف العام على أعمال الترميم الدكتور صالح لمعي الذي ألقى محاضرة بعد نهاية الجولة تناولت الجوانب الفنية في أعمال الترميم. وعدّ لمعي عمارة مسجد الشافعي من البناء الفريد من نوعه؛ حيث يأخذ مربع الأضلاع، ووسطه مكشوف للقيام بمهام التهوية، مبيناً أن المتجول داخل أروقته يشاهد النقوش والكتابات على الجدران وتفسيرها. وتنقل لمعي في محاضرته بين عديد من المحاور الفنية المتخصصة في مجال ترميم التراث العمراني وتأهيله من خلال عرض مرئي شمل رسومات وبيانات وصوراً وإحصائيات وتحاليل، كما شرح عديداً من المصاعب والمعاناة التي واجهتهم أثناء الدراسة المسحية التي كان آخرها اكتشاف وجود مادة الرصاص في قاعدة الأعمدة. ويأخذ مسجد الشافعي شكل المستطيل في ظاهره، وينقسم إلى قسمين من الجهتين الغربية والشرقية، الأول منها الجزء الغربي، ممتداً على هيئة صحن مكشوف مربع الشكل وسط دكة ترتكز على أربعة أعمدة، والثاني هو الجزء الشرقي وهو إيوان القبلة ويحتوي على صفين من البوائك، تعلوها عقود مدببة، وتقوم عقود البوائك على أعمدة بعضها رخامي، وتنتهي بمقرنصات من ثلاثة صفوف، وبعضها الآخر مبني من الحجر. ومعظم تلك الأعمدة تعود إلى العصر العثماني، بينما يتصدر حائط القبلة محراب مجوف كثير العمق زُخرفت عقوده وكذلك خواصر عقده بكثير من الزخارف الزيتية متعددة الألوان، وكتابات قرآنية كتبت بالخط الثلث البديع على أرضية نباتية. وتولي الهيئة العامة للسياحة والآثار اهتمامها بمشروع ترميم مسجد الشافعي ليتكامل مع مشاريع التأهيل الجاري تنفيذها في جدة التاريخية، خصوصا مع استكمال ملف ترشيحها لتسجيلها في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، إضافة إلى ذلك تولي الهيئة المساجد العتيقة في المملكة اهتماماً، وتعمل على المحافظة عليها، وتتعاون مع شركائها في تأهيلها وترميمها، ووقعت مذكرة تفاهم مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، للمحافظة على مباني المساجد العتيقة ومباني الأوقاف التراثية.