إذا أردنا التعرف على طبائع الانفعال لدى الشباب، والتوغل إلى الفكر الذي يتعسّف بهم فلا مندوحة من الحديث عن حاجة الكائن البشري إلى التقدير الذي يُعد من الغرائز في النفس البشرية ولأهميته البالغة فقد وضعه (ماسلو) في المرتبة الرابعة على هرمه الشهير الخاص بحاجات الإنسان. إنّ معظم ما نشاهده من السلوكات العبثية التي يمارسها الشباب تعود إلى حاجتهم إلى التقدير التي تنزع بهم نزعاً عنيفاً إلى الإدلاج في مجاهل اللامعقول، فإذا وجد الشاب التصفيق والمديح في مواضع العبث فلن يبرحها بل سيأتي بمزيد من العنف لإشباع هذه الحاجة، وإذا وجدها في مواضع الخير والسلوك الإيجابي فإنه سيأتي بمزيد من هذا السلوك الخيّر. يقول خبراء التربية إن هناك نمطين من الشخصية لدى الشباب وهما (شخصية المُقارِب) و (شخصية المُباعِد). فشخصية المُقارِب هي الشخصية التي تتحدى وتمارس الخطر للحصول على التقدير أما المُباعِد فهي شخصية تتحاشى المجازفة والمغامرة وتميل إلى الهدوء والمسالمة. ومعظم الذين يمارسون العنف ومخالفة الأنظمة هم من الشخصية المقاربة، لذا فإن رسائل التحذير من الموت لأصحاب السرعات العالية لا طائل منها، بل قد تزيد المُقارِب عنفاً وخرقاً للقوانين لأن عملية تحدي الموت هي مرتع التقدير الذاتي لديه وبدلاً من القول (لا تسرع فالموت أسرع)، الأفضل أن نقول (التزامك بالسرعة المحددة دليل على النضج والاحترافية في القيادة)، وهنا أشبعنا حاجة التقدير بالثناء على سلوكه الإيجابي وتجنبنا إيقاظ نزعة التحدي التي تكتنف شخصيته. تتباين المجتمعات المتحضرة في معالجة نزعة العنف لدى الشباب، فنجد بعضها يقوم بإشباع روح المغامرة من خلال الرياضات الفردية التي تتسم بالمجازفة مثل ارتياد الشواهق والقفز بالمظلات وتسلق الجبال والتزلج على الأمواج والجليد وممارسة الفروسية، بينما نجد البعض الآخر يستوعب الشباب في الأعمال التطوعية التي تعزز روح البطولة لديهم من خلال عمليات الإنقاذ والإسعاف ومساعدة المنكوبين والمحافظة على البيئة كمعالجة الطيور والحيوانات وحماية الغابات والأشجار وسائر الأعمال الخيرية. وإذا كان من المتعذر في مجتمعنا توفير معظم هذه الأشياء فلن نعدم معلماً مخلصاً يُذكي روح التوهج في طلابه من خلال الثناء على أعمالهم الطيبة مهما كانت صغيرة أو أباً يأتي بتعقيب فياض بالمحبة والتشجيع بعد كل سلوك حسن. وللحديث بقية..