أزال الكثير من الشباب من قواميسهم مسائل المخاطرة بالأرواح مقابل تحديات يسبرون أغوارها مع الآخرين، حيث انتقلت التحديات وحب الظهور إلى المراهنة على النفس والدخول في طرق خطرة تحت راية التحدي؛ إذ خرجت إلى السطح تحديات شبابية محفوفة بالمخاطر، ضاربين بسلامتهم وسلامة الآخرين ومبدأ الوعي والرقي عرض الحائط، في سلوكيات ستنتج مستقبلا شبابا غير مبالين وآخرين وقعوا ضحية محاكاة الخطر في صورة عنفوان متدفق لم يوجهوه التوجيه الأمثل ليسهموا في بناء حاضرهم ومستقبلهم. وقد تعددت التحديات والنتيجة واحدة؛ فمن شباب يدخلون في سباق محموم بالسيارات على طريق سريع، إلى آخرين يتحدون على القفز من أماكن عالية، وآخرين يتحدون بتناول وجبة مليئة بالبهارات الحارة جدا أو شرب كميات من المياه الغازية دفعة واحدة، أو تقبيل رأس مسن في الشارع، إلى تحديات متعلقة بالتفحيط وصعود أماكن مرتفعة وتسلقها، وغيرها من ضروب التحدي التي عادة ما تنتهي بوجبة عشاء أو هدية رمزية من قبل حاضري التحدي أو المحرضين عليه، أو أن يحظى بطل التحدي بجذب نظر زملائه الآخرين بأنه منجز للتحدي مهما كان خطرا، ويدخل مع نفسه في دوامة من التفاخر والتباهي قد تجعله يقتحم أسوار التحدي مرات أخرى؛ ما يضاعف الخطر عليه وعلى الآخرين. “شمس” تناولت القضية من جوانبها كافة وأبعادها؛ لتصل إلى خفايا هذه التحديات وأسبابها وكيفية الوصول إلى علاج هذه الظاهرة. قصص مأساوية قصص مأساوية كثيرة حدثت من جراء تلك التحديات الشبابية التي لا تعدو كونها تفريغا لشحنات وأنشطة في قنوات سلبية، في وقت سجلت فيه الجهات الأمنية الكثير من تلك التحديات في السرعة على الطرق، ورصدت الكثير من الشباب الذين دخلوا في سباقات سرعة على الطرق السريعة في مختلف المناطق مسببين حوادث مرورية ومتورطين في إدخال الرعب في نفوس أصحاب السيارات الأخرى. يؤكد سعيد الأحمري أنه فوجئ بخروج سيارة عن مسارها على طريق أبها - خميس مشيط؛ ما أدى إلى انقلابها مرات عدة، وتعرض قائدها لإصابات بالغة، وقال إنه شاهد سيارة المصاب وسيارة أخرى في سباق سريع جدا، وكانوا يتنقلون بين السيارات بسرعة فائقة، وزادت حدة السباق بينهما إلى أن تجاوز المصاب من الجهة اليمنى ثم تضايق بسيارة أخرى كانت تسير في مسارها الصحيح وفوجئ بسياج أمامه؛ ما دعاه إلى الانحراف بسبب السرعة. وأضاف أن عددا ممن شهدوا الحادث كانوا على مقربة منه، وشاهدوا هذا السباق. مشيرا إلى أن عددا من الشباب لا يكترثون بهذه السلبيات الخطرة؛ فيتسابقون بسرعة فائقة متحدّين بعضهم ومعرضين أرواحهم وأرواح الآخرين للخطر والموت المحقق. تحديات تسلُّق قاتلة تحدٍّ خطر من نوع آخر وقع فيه شباب آخرون وأصبح يشكِّل ظاهرة في أنماط السلوك المفرطة في الخطورة. يقول خالد القحطاني إنه ذهب في نزهة مع مجموعة من زملائه إلى متنزه الحبلة السياحي في منطقة عسير، الذي يمتاز بطبيعته الجبلية الوعرة جدا ووجود هوة سحيقة لا يتم النزول إليها إلا عبر التلفريك أو بالطائرات العمودية، فما كان منهم إلا أن عقدوا تحديا بينهم لمن يستطيع النزول إلى قاع الهوة عبر الحبال، وبعد نزوله إلى وسط الجبل اعتراه خوف وهلع، ولم يستطع أن يكمل مسيرة النزول؛ فما كان من أحد زملائه المحترفين إلا أن ساعده بحبال ونزلوا إلى أسفل الجبل وعادوا عبر التلفريك إلى أعلى الجبل. ويشير إلى أن هذه التحديات خطيرة، وأنه وزملاءه عقدوا العزم على عدم الخوض فيها مستقبلا. ناصحا الشباب بألا يدخلوا في تحديات قد تؤدي إلى الموت. تحدٍّ غريب عدد من الشباب كانوا في متنزه، وعلى مقربة منهم مسن مع أحد أصدقائه؛ فتحدوا أحدهم بأن يقترب منه، وأن يقبل جبينه، وبعد أن تراجع الكل بسبب أنهم لا يعرفونه، ولا يعرفون نفسيته، أشاروا إلى صالح القرني (واحد ممن كان معهم)، وعرض عليه الشباب وجبة عشاء فاخرة بأحد المطاعم، فما كان منه إلا أن ذهب إلى المسن شريطة أن يُقبِّل رأسه دون استئذان، فإذا بالمسن يدفعه بعيدا وكاد يدخل معه في شجار إلا بعد أن شرح له فورا المسألة فقبلها بعد أن ضحك هو وزميله على هذا النوع من التحدي، وأكد له أن أقاربه أولى بتقبيل جبينهم، شاكرا له طيب صنيعه، ومضيفا أنه عمل جيد إن كان تلقائيا دون تحد، محذرا من أن البعض قد يتشاجرون معه؛ لأنه عمل فجائي ولا يعرفه الجانب الآخر. وأكد صالح أنه لن يعود إلى مثل هذه التحديات التي تعدُّ ضربا من ضروب التطفل ونهايتها محرجة جدا. جنون التفحيط عدد من الشباب تحدوا على التفحيط وسط شارع مزدحم بالسيارات في مدينة جدة، وأثناء ذلك اصطدمت سيارتهم بمركبة أخرى وتعرضوا لإصابات مختلفة، فيما تم رصد الواقعة التي تبين بعد ذلك أنها كانت مجرد تحد رفع رايته قائد السيارة معرضا نفسه والآخرين للخطر!! وقد أكدت الكثير من سجلات الضبط المروري في مختلف مناطق السعودية أن معظم حالات وحوادث التفحيط كانت بشكل جماعي وتحديات مشتركة بين مجموعة من الشباب، وكانت النتائج وخيمة أدت بعضها إلى خسائر في الأرواح والممتلكات؛ لذا عادة ما تسيطر حالة من التشجيع أثناء التفحيط، ويكون مع المفحط آخرون يشجعونه؛ إذ دخلوا معه في رهان على الخطر. استهجان العقلاء من جهتهم عبَّر عدد من الشباب عن استهجانهم لهذه السلوكيات التي بدأت تنتشر في المجتمع، وأكدوا أن الظاهرة في تزايد. وقال سلطان عسيري إنه سمع بقصص من هذا الجانب، وإن هناك حوادث كثيرة وقعت، كانت بدايتها تحديا في مقهى أو في شارع، فلماذا يُفرّغ الشباب شحناتهم بهذه الطريقة؟! مؤكدا أن هناك الكثير من الأنشطة الخيرية والاجتماعية المفيدة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو رياضية، بإمكان الشاب أن يقضي وقته فيها بعيدا عن المراهنات الخطرة. من جانبه لفت عبدالرحمن حسين إلى أن التحديات تمثل الخطر المحدق بهم، وأن من نجا من تحد فلن ينجو من الآخر، ومجرد التفاخر والتباهي بالبراعة في تنفيذ التحديات لا يفيد شيئا؛ بل يؤدي إلى نتائج سلبية، وقد يؤدي إلى النهاية الحزينة. ونصح الشباب كافة بأن يتعظوا مما شهدته هذه التحديات من نتائج سلبية، وأن يمارسوا حياتهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والفائدة.