منذ دخول القطار إلى عالم النقل والمواصلات في عشرينيات القرن التاسع عشر في أوروبا، وهو يشكل عصب الحركة اليومية لتلك الشعوب. فالناس هناك تسافر بالقطارات، والبضائع تنقل بالقطارات، والقراءة والاطلاع يزدهران في مقصورات القطار، بل حتى الأدب لم يستطع مقاومة السير مع حركة القطار، فظهر بين مقطوراته القصيدة والرواية والأهزوجة، بل وأصبح القطار نفسه مادة تلك الأهازيج والقصائد. في النصف الأول من القرن التاسع عشر ظهر في الغرب ما يعرف ب(أهازيج القطار) ونجح القطار في الدخول إلى عالم الثقافة والفكر بقدر نجاحه في إزاحة عربات الأحصنة من عالم النقل والارتحال. واستطاع المحافظة على مكانته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى بعد دخول السيارة والطائرة على خط السفر. أما في الوطن العربي فقد نقل الإنجليز هذا الاختراع إلى كل من مصر والعراق، وظلت الشبكات وقضبان الحديد عقودا طويلة من الزمن دون أن تتطور إلى الشكل الذي يماثل سكك الحديد الغربية، ولكن القطار أصبح مادة أدبية لعدد من شعراء العربية مثل: معروف الرصافي ونازك الملائكة وكامل الكيلاني وفاروق جويدة ومحمود درويش وغيرهم من الشعراء. وعندما نمر بقطار الكلام على الأدب الشعبي فالتجربة العراقية تعتبر الأكثر ثراءً في الوطن العربي. فلا يكاد يوجد شاعر شعبي عراقي لم يتناول (الريل) في شعره بل لا تزال تطن في مسامعنا قصيدة مظفر النوّاب: مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل…وسمعنا دق قهوة وشمينا ريحة هيل.. ياريل صيح بقهر صيحة عشق ياريل……. أما في بلادنا مهد العربية فالتجربة القطارية توقفت عند سكة حديد الحجاز، كما لم تتوسع التجربة المحدودة للنقل القطاري بين الدمام والرياض إلى باقي المناطق. فلم نشهد أدباً يتناول القطار، لكن لنا قصة أخرى مع غياب القطار عن نصيب الحركة اليومية لأهلنا في هذا الوطن، يتناولها الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.