لا تشكل السكك الحديدية وعربات القطار منظراً غريباً على كبار السن في المناطق الشمالية للمملكة، الذين تعودوا على استخدام القطار في الأردن وسورية والعراق. لكن ثقافة «القطار» لا تبدو مألوفة عند الجيل الجديد من أبناء تلك المناطق، لذا فإن تتبع أخبار إنشاء مشروع سكة حديد «الشمال-الجنوب» هو الشغل الشاغل لهم، منذ بداية العمل فيه قبل نحو ثلاثة أعوام، ومروراً بالانتهاء من إنشاء «السكة» التي تمر في مناطقهم، وجلب عربات القطار من المنطقة الشرقية بشاحنات عملاقة، وحتى تركيب اللوحات الخاصة بمشروع السكة الحديد. وقال محمد الشمري إنه شعر بالإرباك حين شاهد اللوحات التحذيرية بوجود معبر للقطار بالقرب من مركز الرديفة (70 كيلومتراً غرب سكاكا)، متوقعاً بأن المشروع تم تشغيله، «المشروع كان حلماً لأهالي المناطق الشمالية... وسيسهم في إنعاش الحالة الاقتصادية لتلك المناطق». وأضاف: «لم يكن سعر متر الأرض السكنية في مركز الرديفة يتجاوز 80 ريالاً قبل نحو خمسة أعوام، لكن مشروع السكة الحديد رفع السعر إلى نحو 200 ريال». من جانبه، استرجع فرحان الرويلي (80 عاماً) ذاكرته مع «البابور» كما كان يطلق على القطار في الأردن، أو «الريل» في العراق، وقال ل«الحياة» إن القطار كان موجوداً في حياة أهالي البادية الذين كانوا يتنقلون بمواشيهم من شمال السعودية مروراً بالأردن والعراق وحتى المناطق الرعوية في سورية. وتذكر الرويلي كيف كانت «تجفل» مواشيهم حين يمر القطار بجوار مراعيهم، بسبب صوت منبهه المنفر، والضجيج الذي يحدثه سيره على خط السكة. وألقى الرويلي أبيات من قصيدة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب «الريل وحمد»، والتي تصف مشاعر امرأة مسافرة يمر قطارها بقرية يقيم فيها حبيبها حمد في العراق: مرينا بيكم حمد... وإحنا بقطار الليل وسمعنا دق قهوة... وشمينا ريحة هيل يا «ريل» صيح بقهر... صيحة عشق يا «ريل» يذكر أن مشروع سكة حديد (الشمال – جنوب)، والذي سينطلق في نهاية العام 2010، يعتبر من مشاريع النقل «الاستراتيجية» التي تنفذها الشركة السعودية للخطوط السعودية «سار». وبلغت تكاليفه أكثر من 10 بلايين ريال، فيما وصل طول الخط إلى نحو 2400 كيلومتر ليربط ست مناطق إدارية بداية من الحديثة على الحدود الأردنية في منطقة الجوف إلى رأس الزور في المنطقة الشرقية مروراً بالمنطقة الشمالية ومنطقة حائل، القصيم، والرياض. ويهدف «المشروع» إلى تقديم وسيلة نقل اقتصادية لنقل الفوسفات من حزم الجلاميد والبوكسايت من الزبيرة إلى معامل التصنيع في منطقة رأس الزور، ونقل الركاب والبضائع والشحنات الأخرى من الرياض إلى الحديثة، بما في ذلك خدمة مناطق سدير الصناعية والقصيم وحائل والجوف ومنطقة البسيطا الزراعية، إضافة إلى نقل البضائع من مدينة الجبيل الصناعية إلى المناطق المختلفة التي يمر بها الخط الحديدي.