امتلأت مقاعد الحضور المخصصة للنساء والرجال في الأمسية التي نظمها ملتقى الوعد الثقافي بالتعاون مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بفرع الدمام، الذي استضاف الشاعرين قاسم حداد من البحرين، وسيف الرحبي من عُمان، وأدارها الشاعر محمد الفوز، مساء أمس الأول في مقر الجمعية. وراودت الرحبي خاطرة، عندما كان على متن رحلته من مسقط للبحرين إلى الدمام، فكتبها يختصر مشوار صداقته بحداد، الذي لم يره منذ مدة طويلة، ذاكراً أول لقاء جمعهما في القاهرة مطلع السبعينيات. وألقى الرحبي (الصحراء، ظل الضحية، البراكين الخامدة، عرافة الأزل، مرحى لهذه الريشة، من ذرى الجبل الأخضر)؛ مقاطع متفرقة من قصائده. فيما تناول حداد مقاطع من كتابه «طرفة بن الوردة»، وقصائد أخرى عدة (باب الغرائز، على وطن يخشى الفتى، حجاز، أصدقاء القمر، كان يعرف، كونشيرتو الضياع، ماذا تريدون مني، سورة الخمر، هل نحن موتى، رسالة، الغريب). ولا تعني كيفية تولد الفكرة والصورة الشاعر البحريني قاسم حداد وقت كتابته للشعر، لأنه لا يدركه إلا مع القارئ. وحداد الذي تربكه الأسئلة المفتوحة، يعتقد أن خاصية السرد في الكتابة الشعرية أحد الآفاق المفتوحة على النص الشعري، بمعزل عن التسميات المختلفة، ويرى أن انفتاح النص على الآفاق التعبيرية المختلفة مخرج من المخارج الإبداعية للكتابة العربية ككل، وليس في الشعر فقط. ويرى حداد أن الشعر أكثر عمقاً وجمالاً من أن ينظر لطبيعته الوزنية، مشترطاً موهبة ومعرفة وإدراك الشاعر ليستحق هذه الحرية، فالأشكال المختلفة، كالسجع، والجناس، والوزن، تذوب في اللحظة الحميمة لكتابة النص. ويعتقد الشاعر العماني سيف الرحبي أن الأدب والشعر ينبثقان من الغياب، الذي يترك البرزخ العميق والتيه والوحشة، ويرى أن زمن الانحطاط الأخلاقي الحالي يترك صدمة الغياب بالنسبة له وللشعراء والإنسان بصورة عامة، فهو يرفض تميز الكتاب عن غيرهم «هذا ادعاء ظالم». ويتناول الرحبي الندم في نصوصه، عبر توسل العوالم الأولى والوحشية والبرية البريئة التي لم تدخل طريق العقاب في تاريخ البشرية «ثمة ندم على تلك العوالم البريئة التي انقرضت، ودخل التاريخ في هذا الطور الوحشي المروع بالنسبة لنا كعرب، لأننا لسنا في اللحظة الحضارية البشرية التي أنجزت كل الأعمال العظيمة، من تقنية وتكنولوجيا وأدب وفلسفة، ولسنا على نحو البراءة الأولى». ويرى الرحبي أن الندم بأوجه متعددة يخترق النص الأدبي، ونسيج الوعي واللاوعي بالنسبة لنا في لحظات وأزمنة مختلفة. وساعدت ولادة الشاعر في الصحراء الجبلية، المروعة في اتساعها ووحشتها وتيهها، في إلهامه، فهذا الموقع الجغرافي المكاني ملهم أكثر من العوالم الحضارية. ويؤكد الرحبي أن القراءات في الندوات لا تعطي إلا ومضات بسيطة عن النص، أو الكاتب، وهي مجرد لقاء حميمي بين أصدقاء، عاداً القراءة، قراءة الكتب، خاصة في اللحظة الحالية التي تتاح فيها القراءة عبر وسائل تكنولوجية متنوعة جداً. ووقع حداد 150 نسخة من كتابه الصادر مؤخراً «طرفة بن الوردة»، بالإضافة إلى الكتاب الفوتوغرافي «زرقة الظل» لطفول حداد، بينما وقع الرحبي عشر نسخ من كتابه «الجندي: الجندي الذي رأى الطائر في نومه». وكرمت الفنانة حميدة السنان الشاعرين عبر بورتريهين صنعتهما لهما، بالإضافة إلى عرضها لمجموعة «أحلام آدم»، التي رسمتها بالألوان الزيتية، بأحجام وقياسات متنوعة، تتركز فكرتها على آدم وأفكاره وحياته، من طفولته إلى رجولته، على حائط مدخل المسرح. وصاحبت الموسيقى الأمسية، عبر جيتار محمد السنان، الذي استهلها بمعزوفته «حياتي الثانية»، وأورج علي البوري، وجيتار سامح إبراهيم، اللذين صاحباها كخلفية لصوت الشاعرين.