عندما يكون هناك تخطيط وهدف محدد يتحقق النجاح حتى وإن كانت الإمكانيات متواضعة، تبدى ذلك واضحا في الأمسية الشعرية التي أقامها منتدى الوعد الثقافي بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام مساء الاثنين الماضي، الأمسية جمعت الشاعرين الكبيرين قاسم حداد الذي يعشق الشعر و يحيى به، والشاعر العماني سيف الرحبي الذي حوّل الصحراء إلى مدينة من الأحلام. لم ينتظر الجمهور طويلا ليتفاعل مع النصوص الشعرية فقد بدأه مقدم الأمسية الشاعر محمد الفوز بتقديم شاعري نال إعجاب الجمهور المتميز في عدده ونوعيته بالإضافة إلى حضور الفن التشكيلي بلوحات من أعمال الفنانة التشكيلية حميدة السنان والمقاطع الموسيقية التي أضفت على الأمسية مساحات من النغم الرقيق والتي قدمها علي البوري ومحمد سنان وسامح إبراهيم. البداية خاطرة.. بدأت الأمسية التي توزعت على ثلاث جولات لكل شاعر من الشاعر سيف الرحبي الذي قرأ في البداية خاطرة كتبها وهو قادم من عمان تحدث فيها عن بداية العلاقة مع الشاعر حداد وسنوات البعد والاشتياق والأمسيات في القاهرة واللقاء الإنساني الذي يعلو على كل شيء ..بعدها قرأ الرحبي مجموعة من النصوص المتفرقة «على حد الصيف» و «إلى تلك المرأة» و «كن شط الضياع» و نص «الصحراء» الذي تفاعل معه الجمهور كثيرا ويقول في مطلعه : «في هذه الصحراء العاتية الصحراء التي تسيلُ مع الشمس كثباناً وشياطينَ تناسلَ الأسلاف جَدّاً بعد جَدّ ونبتنا مصْل أشجارٍ صخريّة راكضين بين الشاطئ والجبال بأرجل حافيةٍ وقلبٍ مكلوم. كبرُنا مع الجمال والحمير قُدنا القطيع إلى مساقط الوادي وشاهدنا القطا تغيبُ مع السراب ..» تميزت نصوص سيف الرحبي بالسردية و بدت كمقاطع موسيقية متتالية لاتتشابه ولكن تتناغم ، خاصة وهي تجمع بين روعة السرد وجمال النثر بالإضافة إلى البلاغة الواضحة في النصوص والتي يتوقف عندها المتلقي طويلا –وبدت مفردة «الصحراء» أكثر حضورا في نصوصه وهو يستحضر النجوم والقصور والمنازل والبشر، والتغيرات التي زحفت نحو كل الصحاري العربية إضافة إلى الماضي الجميل و الحاضر المتخم بالتغير والخوف الذي شع من الحزن الذي غلف القصائد ودفعنا إلى أن نسأله بعد الأمسية : هل تتوقع حضور شعر جديد؟ وأجاب: لا ، على الأقل في الوقت الحاضر القريب وربما بعد مرور سنوات تتمخض حالة شعرية أخرى تختلف عن الحاضر، وعن سر الوحشة والندم والغياب في نصوصه قال: سؤال عميق، الأدب والشعر ينبثقان من الغياب وهو بالتأكيد يترك البرزخ والسنين للوحشة فحين يحدث غياب في البعد الروحي والبشري تكون الصدمة للغياب ويكون مهيمنا على كل الحاضر، والندم يخترق النص الأدبي. طرفة بن الوردة وعندما جاء دور الشاعر الباحث عن طرفة بن الوردة قاسم حداد قرأ رسالة شكر وعرفان لأعضاء الوعد الثقافي الذين يمدون جسور التواصل، ورسالة حب إلى كل من حضر، وكما قال بحضور الشعر نشعر بأنفسنا وذواتنا ونتأكد بأننا مازلنا على قيد الحياة. وقرأ قاسم مجموعة من النصوص من ديوانه «طرفة بن الوردة» منها «لا تضع حجرا على أمل» و «على وطن يخشى الفتى» و «أصدقاء القمر» و «ماذا تريدون مني؟» والتي قال فيها: «كيف تريدونني أن أراه، وهو مستوحشٌ في تجاعيده كيف لي أن أميز إيقاعه وهو يخرجُ في كل يوم على الوزن ماذا تريدونني أن أرى، غير هذا الشهيق الممزق في كبد الطفل، في وردة الريح يسرقها الآخرون.. تنوعت نصوص قاسم حداد التي تفاعل معها الجمهور الحاضر في الأمسية ما بين القصيرة والطويلة، غلب على النصوص هاجس الخوف والموت والرحيل والبحث عن الأمان وكان كل ذلك تحت قيادة قوة خيال تفنن حداد في رسمها وهو يأخذك من نص إلى نص ، وكذلك قوة اللغة لدى الشاعر والحالة الشعورية ووضوح التمكن التي تميز نصوصه وروعة التقاط الصور الفنية التي كانت تسيطر على النصوص، قاسم حداد الشاعر الإنسان قفز وتجاوز الكتابة الإبداعية إلى التفكير الإبداعية، . وقد أكد ذلك في رد على سؤال عن لحظة كتابة النص والهروب إلى الدخول في اللاوعي أم النصوص مفتوحة قائلا: إنه لا يعنيه شيء أثناء الكتابة ولا يدرك إلا عندما يستمع الجمهور إلى نصوصه، ، والموضوع بالنسبة له قديم فبعد تراكم تجارب مختلفة يرى أن خاصية السرد هي أحد الآفاق المفتوحة للنص الشعري وهو مخرج من مخارج الإبداع. وقد قام الشاعر سيف الرحبي في نهاية الأمسية بتوقيع ديوانه «مقبرة السلالة» وقاسم حداد بتوقيع ديوانه «طرفة بن الوردة»