أقام منتدى الوعد الثقافي بالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام موخرًا أمسية شعرية التي جمعت الشاعرين البحريني قاسم حداد، والعماني سيف الرحبي، فيما أدارها القاص محمد الفوز.. كما صحبت الأمسية مقاطع موسيقية قدمها علي البوري ومحمد سنان وسامح إبراهيم، بجانب لوحات من أعمال الفنانة التشكيلية حميدة السنان. الأمسية توزعت على ثلاث جولات، ابتدرها الشاعر الرحبي بتقديم خاطرة كتبها وهو قادم من عمان تحدث فيها عن بداية العلاقة مع الشاعر حداد، وسنوات البعد والاشتياق والأمسيات في القاهرة، مقدمًا من ثم مجموعة من النصوص المتفرقة من بينها «على حد الصيف»، و»إلى تلك المرأة»، و»كن شط الضياع»، ونص «الصحراء» الذي تفاعل معه الجمهور كثيرًا ويقول في مطلعه: في هذه الصحراء العاتية الصحراء التي تسيلُ مع الشمس كثبانًا وشياطينَ تناسلَ الأسلاف جَدّاً بعد جَدّ ونبتنا مصْل أشجارٍ صخريّة راكضين بين الشاطئ والجبال بأرجل حافيةٍ وقلبٍ مكلوم. كبرُنا مع الجمال والحمير قُدنا القطيع إلى مساقط الوادي وشاهدنا القطا تغيبُ مع السراب... تميزت نصوص سيف الرحبي بالسردية، وبدت مفردة «الصحراء» أكثر حضورًا في نصوصه وهو يستحضر النجوم والقصور والمنازل والبشر، والتغيرات التي زحفت نحو كل الصحاري العربية إضافة إلى الماضي الجميل والحاضر المتخم بالتغير والخوف الذي شع من الحزن الذي غلف القصائد ودفعنا إلى أن نسأله بعد الأمسية: هل تتوقع حضور شعر جديد؟ وأجاب: لا، على الأقل في الوقت الحاضر القريب وربما بعد مرور سنوات تتمخض حالة شعرية أخرى تختلف عن الحاضر، وعن سر الوحشة والندم والغياب في نصوصه قال: سؤال عميق، الأدب والشعر ينبثقان من الغياب وهو بالتأكيد يترك البرزخ والسنين للوحشة فحين يحدث غياب في البعد الروحي والبشري تكون الصدمة للغياب ويكون مهيمنًا على كل الحاضر، والندم يخترق النص الأدبي. وعندما جاء دور الشاعر الباحث عن طرفة بن الوردة قاسم حداد قرأ رسالة شكر وعرفان لأعضاء الوعد الثقافي الذين يمدون جسور التواصل، ورسالة حب إلى كل من حضر، وكما قال بحضور الشعر نشعر بأنفسنا وذواتنا ونتأكد بأننا مازلنا على قيد الحياة. وقرأ قاسم مجموعة من النصوص من ديوانه «طرفة بن الوردة» منها «لا تضع حجرًا على أمل»، و»على وطن يخشى الفتى»، و»أصدقاء القمر»، و»ماذا تريدون مني؟ « والتي يقول فيها: كيف تريدونني أن أراه، وهو مستوحشٌ في تجاعيده كيف لي أن أميز إيقاعه وهو يخرجُ في كل يوم على الوزن ماذا تريدونني أن أرى، غير هذا الشهيق الممزق في كبد الطفل، في وردة الريح يسرقها الآخرون.. تنوعت نصوص قاسم حداد التي تفاعل معها الجمهور الحاضر في الأمسية ما بين القصيرة والطويلة، غلب على النصوص هاجس الخوف والموت والرحيل والبحث عن الأمان وكان كل ذلك تحت قيادة قوة خيال تفنن حداد في رسمها وهو يأخذك من نص إلى نص، وكذلك قوة اللغة لدى الشاعر والحالة الشعورية ووضوح التمكن التي تميز نصوصه وروعة التقاط الصور الفنية التي كانت تسيطر على النصوص، قاسم حداد الشاعر الإنسان قفز وتجاوز الكتابة الإبداعية إلى التفكير الإبداعية. وقد أكد ذلك في رد على سؤال عن لحظة كتابة النص والهروب إلى الدخول في اللاوعي أم النصوص مفتوحة قائلاً: إنه لا يعنيه شيء أثناء الكتابة ولا يدرك إلا عندما يستمع الجمهور إلى نصوصه، والموضوع بالنسبة له قديم فبعد تراكم تجارب مختلفة يرى أن خاصية السرد هي أحد الآفاق المفتوحة للنص الشعري وهو مخرج من مخارج الإبداع. وقد قام الشاعر سيف الرحبي في نهاية الأمسية بتوقيع ديوانه «مقبرة السلالة»، وقاسم حداد بتوقيع ديوانه «طرفة بن الوردة». هذا وقد شهدت الأمسية حضور عدد كبير من الجمهور ومتذوقي الشعر بالشرقية لم تتسع به القاعة، ومنهم من استمر واقفًا خلال الأمسية مطالبين بإيجاد موقع لفرع جمعية الثفافة والفنون بالشرقية يليق بالثقافة والفنون والأدب.