لا يعود قاسم حداد إلى أصدقاء الشعر، مفرداً، كعادته؛ وإنما برفقة شاعرٍ لطالما انتظره الكثيرون.. إنه الشاعر العماني سيف الرحبي، الذي أحيا مساء الاثنين أمسية مشتركة مع "قاسم" في جمعية الثقافة والفنون بالدمام. الليلة الشعرية التي شهدت حضوراً لافتاً لنجمي القصيدة الحديثة في الخليج؛ لم يكن الشعر قدرها الوحيد، وإنما اختار منظمو الأمسية (ملتقى الوعد الثقافي) أن يكون الشعر أيضا في ضيافة فنون أخرى؛ فمن المعرض التشكيلي الموازي للفنانة حميدة السنان في مدخل المسرح، مرورا بافتتاحية "الجيتار الكلاسيكي" مع مقطوعة "حياة إنسان" لمحمد السنان؛ وصولا إلى الصحبة الموسيقية الدائمة طوال الأمسية الشعرية مع علي البوري (أورغ) وسامح ابراهيم (جيتار)؛ إلى جانب توقيع قاسم حداد كتابة الأخير "طرفة بن الوردة" في محطة ثانية بعد توقيع الكتاب في البحرين أكتوبر الماضي. أما سيف الرحبي القادم من "جبال عمان"، ففضل أن يبدأ قراءته بافتتاحية نثرية حميمة موجهة إلى قاسم حداد، متذكرا ذلك اللقاء الأول مع صاحب "قبر قاسم" في القاهرة مطلع السبعينيات عندما كان الرحبي لا يزال طالبا في مصر. وهنا يشير الشاعر العماني، قائلا: "شطت بي الذاكرة.. فرحت أتذكر المرة الأولى التي رأيت فيها "أبي طفول" شخصيا وليس قراءةً وكتباً وهي التي سبقت اللقاء المباشر. مضيفا: "في مطلع السبعينات من القرن الذي أضحى منصرما، كنا طلبة في القاهرة وكان "قاسم" زائراً لها لإقامة أكثر من ندوة شعرية في مقرات طلبة من بلدان الخليج العربية.. أتذكر تحديدا في تلك اللحظة الأولى التي صافحت فيها العزيز قاسم بعد نهاية الندوة، حيث كان واقفا، محتضنا ابنته طفول وهي لا تزال في شهورها الأولى. قاسم الذي احتضن مداخلة الرحبي بابتسامة محبة موازية؛ تحدث مفتتحا قراءته، نثرا بالقول: "تعالوا نسأل الحب.. ما الأمل.. الأمل الذي نحاول صياغته مجددا مثل الحجر الكريم النادر في كهوف المناجم.. بهذا الشكل أحب أن أرى هذا اللقاء الثقافي الذي يصوغه أصدقاؤنا في (ملتقى الوعد) و(جمعية الثقافة والفنون في الدمام)؛ لا لكي نقرأ شعرا فحسب، لكن نطمئن معاً على أرواحنا الشريدة.. شخصيا أنا ممتن وشاكرٌ كوني ألتقي مع الشاعر سيف الرحبي.. هذا السيف الذي استطيع القول أنني لم أره منذ القرن الماضي. هكذا وسط التمهيد العابق بروح الصحبة العتيقة، بدأت القراءات الشعرية، وسط تتبع تنهدات جمهور الشعر وتشربه للمعاني وهي تفيض جمالا من تجربتين غزلتا، من الكلمات معطفا دافئا، غطى بسحره ساعات تلك الليلة الشتائية الحالمة؛ فمن سيف الرحبي وقصائده المحملة بهواجس قلقِ وعي المثقف الخليجي؛ قرأ الشاعر العماني مجموعة مقاطع من بينها قصيدة "الصحراء"، حيث يقول: " والآن/ أنتم معشر البشر/ وقد استبحتم كل سِرّ في أحشائي/ ومزّقتم دفين أعماقي كل مُمزق/ اتركوني وشأني/ ما حاجتكم الى أساطيري وحيواناتي/ الى شعوبي التي تقيم في التاريخ/ وفي ذاكرة الأشجار والجبال/ كيْ تجروها كالقطعان الذليلةِ. سيف الرحبي وقاسم حداد خلال توقيع كتبهما أما قاسم حداد فقد اختار أن يقرأ من كتابه الجديد؛ مقاطع أو قصائد ك"حجاز" و"رسالة" و"الغريب" و"كونشيرتو الضياع" التي يقول فيها: "ضاعَ على رسلِه/ أغفى على فرسٍ ضائعة/ أضاعَ بوصلة الوقت/ أرخى خريطته كي يضيع/ لم يضع مثله شاعرٌ/ لم تضيِّع بلادٌ فتىً مثله/ ضَيَعه الضائعونَ/ كلما ضاعَ في ليلِ أحلامه/ أضاءت له الخطواتُ الطريقَ/ على رسله/ ضائعٌ ويضيعُ/ ويحنو عليه الضياعُ. ختام الأمسية جاء مع سؤالين لمقدم الأمسية الشاعر محمد الفوز الذي توجه بهما إلى سيف وقاسم؛ وهو ما كاد أن يفسد متعة إصغاء الشعر؛ حيث فضل الكثيرون أن لا تفسد أسئلة النقد والخوضُ في مضائق الآراء النقدية وحلزونية المفردات؛ جمال الإصغاء إلى الشعر برفقة فنون الأنغام والموسيقى؛ ولكن هذا لم يحدث، بعد تكريم الشاعرين واحتضان الجمهور المحتشد لهما لحظة توقيع كتابي قاسم حداد وسيف الرحبي. سيف الرحبي.. يقرأ الشعر سيف الرحبي مكرما قاسم مكرما ببروترية للفنانة حمية السنان جانب من الجمهور