«كل يوم يمضي هو خسارة للمعارضة السورية»، بهذه الجملة تصف أوساط دبلوماسية تابعة للأمم المتحدة في جنيف وضع المعارضة السورية، في ظل حالة التشرذم والتخبط التي تعيشها، مرفقة بتقدم عسكري واضح وديناميكي لقوات النظام السوري على الأرض، ولا فرق هنا إن كانت هذه القوات تتقدم بفعل دعم خارجي من «حزب الله» اللبناني، أم من إيران أو حتى روسيا، المهم أن الواقع العسكري على الأرض لا يسير لصالح المعارضة. على هذا الأساس، يبدو أن النصائح التي وجهت لبعض المعارضة السورية وتحديداً الائتلاف السوري أثناء زيارة السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد إلى إسطنبول بعد اللقاء التحضيري الأخير في جنيف (5 نوفمبر الجاري) قد حصدت بعض نتائجها، واقتنع هذا التحالف بالرد بالإيجاب على دعوات المشاركة في جنيف 2، إلا إن هذه الاستجابة يشوبها كثير من الشكوك في إمكانية الائتلاف تحقيق المطلوب في المؤتمر الموعود، أي المشاركة في وفد موحد إلى جانب أطراف أخرى من المعارضة، لا سيما الجيش الحر الذي تميّز بموقفه ذي السقف الأعلى من الائتلاف في التعاطي مع النظام السوري في مرحلة المفاوضات والمرحلة اللاحقة. انعقاد «جنيف2» اليوم هو لصالح المعارضة، ذلك أن أي حوار سيبدأ مع النظام السوري سيضع منطقياً المعارضة والسلطة في مواجهة «ند لند» على المستوى نفسه من الأهمية، حتى ولو طال أمد المفاوضات فإن النظام الذي أعلن للعالم أجمع استعداده للدخول في هذا الحوار، مضطر لاستكماله مع الجهة المقابلة حتى ولو تغيّر الواقع الميداني لصالحه بشكل أكبر مما هو عليه الآن، واستطراداً فإن المعارضة ستحصد من «جنيف 2» اعترافاً من قبل النظام أولاً ومن قبل المجتمع الدولي بأنها شريكة أساسية في تقرير المصير السوري. بالمقابل فإن تقدم القوات النظامية على الأرض، وشعور الرئيس السوري بشار الأسد باستعادته زمام المبادرة، بموازاة تقهقر المعارضة سيعزز الثقة بالنفس أكثر فأكثر، وفي شعوره بأن الجلوس إلى طاولة الحوار، فيما لو استمر تحقيق «الانتصارات» على الأرض هو تنازل كبير وبلا فائدة. على هذا الأساس، يتحول التأجيل المتتالي لعقد المؤتمر في نهاية المطاف، إلى احتمال كبير لتراجع النظام عن فكرة المشاركة فيه أوحتى في انعقاده. وقد لمحّت رموز النظام السوري بما فيها الأسد نفسه مراراً إلى أن «باب الحوار لن يبقى مفتوحاً إلى الأبد»، وأي تجاهل من قبل المعارضين لهذا القول لن يكون إيجابياً، إذ إنها عسكرياً على الأرض باتت في وضع حرج، بعد انقسام جبهاتها داخل الأراضي الخارجة عن سلطة دمشق بين نارين، في مواجهة حملات الجيش السوري من جهة، و«رفاق السلاح» من مجموعات المعارضة المختلفة المتصارعة من جهة أخرى. وعلى وقع التصعيد العسكري المستعر في «القلمون»، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تحديد منتصف ديسمبر كموعد غير مؤكد لعقد المؤتمر، كخيار أخير هذا العام قبيل أعياد رأس السنة والميلاد الشرقي والغربي، وقبيل انتهاء مهلة الإبراهيمي التي تصادف نهاية العام أيضاً، التي يتوقع أن تمتد باعتباره سار بملف الوساطة الدولية منذ البداية، ولما له من حنكة سياسية في الربط بين الدول المعنية. الإبراهيمي نفسه لم يصرح في هذا الشأن أو في غيره، بل اكتفى بالصمت تفادياً لأي تفسير في غير محله من قبل الأطراف، يحسب عليه انحيازاً أو يعرقل مسيرة الوساطة الدولية. لكن أوساطاً أممية في جنيف تتحدث عن خيبة أمل لدى الإبراهيمي من امتداد الصراع السوري وسقوط مزيد من الضحايا والدمار، في حين تتلهى الأطراف المتصارعة بشكل المؤتمر والشخصيات التي ستحضره وغيرها من المسائل الثانوية مقارنة مع ما يجري في سوريا، وهذا ما دفع الإبراهيمي إلى حث الأطراف الدولية الراعية للقوى المتصارعة في سوريا إلى بذل مزيد من الضغوط لحمل أطراف المعارضة تحديداً إلى الدخول في منطق التفاوض، ونقل عن أوساط الأممالمتحدة في جنيف أن الإبراهيمي هو الذي طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تحديد موعد مبدئي للمؤتمر الموعود، بهدف «وضع الجميع أمام الأمر الواقع». وعلى خط آخر، عزّز الحراك الدبلوماسي السوري الرسمي-الإيراني في موسكو صورة الحلف الثلاثي السياسي- العسكري (روسي- سوري- إيراني) بعد أن حاولت روسيا ظاهرياً لعب دور «الوسيط» بين النظام والمعارضة في دعوتها كلا الطرفين للاجتماع لديها كل على حدة لتقريب وجهات النظر، هذه المباحثات شارك فيها النظام وغاب عنها الائتلاف متفادياً أي لقاء مباشر مع رموز النظام خارج الطاولة الأممية، مفوتاً على روسيا فرصة شد البساط الدولي إلى ناحيتها أكثر فأكثر. لقاءات موسكو ختمت فترة صمت إعلامي مقصود في نقل أي اتصال بين موسكوودمشق، امتدت منذ ما بعد ضربة الكيماوي في الغوطة الشرقية، وانتهت باتصال الرئيس فلاديمير بوتين بالأسد قبيل مباحثات موسكو، ترجمه النظام عسكرياً باستئناف وتيرة مرتفعة من العمل العسكري المؤجل منذ معركة القصير، أي نحو ستة أشهر، مهلة كانت كفيلة بتخطي عقبات سياسية وعسكرية جمّة بعيد جريمة الكيماوي في الغوطة الشرقية، استعاد فيها النظام قبولاً دولياً، بدا امتعاض المعارضة حياله جلياً، عبر تصريحاتها التي اشتكت من انحياز أممي ودولي ضدها لصالح الأسد. الوقت والتحالفات السياسية في صالح النظام، هذا ما قاله حوار بوتين-الأسد بعبارات أخرى. لكن التصور الأممي لمستقبل سوريا في حال نجاح جنيف2 يتمثل في تشكيل حكومة انتقالية، تتسلم مهامها في دمشق وتبسط سلطتها تدريجياً وببطء على مناطق الدولة على مراحل، ويبقى السؤال عن دور الأسد في المرحلة المقبلة مفتوحاً على احتمالات كثيرة، هل سيسمح له بالترشح لانتخابات جديدة؟ ومن يمنع ذلك؟ وهل سيخسر الانتخابات في حال ترشحه في غياب أعداد هائلة من السوريين خلف قضبان الاعتقال أو في الشتات؟ وماذا عن المحاكمة التي يعتقد معارضون كثر أنها الوجهة الأسلم، لا المفاوضات؟ وهل المطلب الأخير لا يزال مطلباً معقولاً وواقعياً بعد التطورات الأخيرة؟. في اجتماعه في إسطنبول (10-9 نوفمبر) توصل الائتلاف الوطني المعارض إلى التوافق على ضرورة الحل السياسي والمشاركة في مؤتمر جنيف2، وأعلن عن تشكيل حكومة مهمتها إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتفاءل كثر بالخطوة، لكن بعضهم الآخر ذهب إلى اعتبارها ناقصة كونها لا تمثل كافة الأطياف، متهمين الائتلاف المعارض بفرض نفسه على البقية بشكل لا يختلف عما مارسه حكم حزب البعث خلال أربعين عاماً. ونقل مقربون من البعثة الأممية في جنيف أن الائتلاف وبعض فئات المعارضة ذات الثقل الشعبي سيكونون من ضمن المجموعة الحاضرة في جنيف2، في حين ستستبعد من التمثيل مجموعات ك«داعش» التي لا توافق بالأصل على الحل السلمي والمباحثات الدولية، كذلك الأمر بالنسبة لرفعت الأسد الذي زار جنيف من دون دعوة رسمية تزامناً مع الاجتماع التحضيري لجنيف 2 (5 سبتمبر)، ولم يشارك فيه كما أشيع حينها، ولن يدعى للمشاركة لاحقاً في أي اجتماعات مرتبطة، لأنه فاقد للتمثيل الشعبي من كلا طرفي الصراع في سوريا، ولارتباطه بالقضاء على الحراك الشعبي عام 1983 الذي أباد فيه النظام السوري عشرات الآلاف من المواطنين العزَّل في مدينة حماة. لا سلاح في يد المعارضة قادر على مواجهة النظام السوري، ليس على المستوى العسكري ولا على المستوى السياسي أو الدبلوماسي، وكان سفير الولاياتالمتحدة في دمشق روبرت فورد على حق عندما عمل على تأجيل جنيف 2 بسبب «عدم جهوزية المعارضة لمواجهة دبلوماسيي النظام المحنكين كوليد المعلم وزير الخارجية»، وسلاح المعارضة الوحيد اليوم هو المشاركة في «جنيف 2» وتعزيز موقعها كشريك في رسم معالم المرحلة المقبلة لسوريا، وعليها التوصل إلى رؤية متكاملة حول المرحلة الانتقالية، تتضمن آليات نقل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية إلى الحكومة الانتقالية وفق ما جاء في جنيف 1، دور يحاول الائتلاف استدراكه، رغم خلافات كثيرة تعود إلى الواجهة. صحافية لبنانية مقيمة في جنيف