وبأقذر طريقة يمكن أن يموت بها شاعر عربي سني أو شيعي؛ لقد قتلته عقدة الطائفية وخنقته ستائر النسيان التي أُسدلت عليه وعلى قصائده منذ زمن بعيد. بعد أن أفنى عمره دون قصيدة واحدة يسير بها الركبان خارج مقاهي وحانات المهتمين من نفس مدرسة المرض والتجني. لم يمت سعدي يوسف (أجلكم الله) مدافعاً عن قضية عادلة من قضايا العرب، أو لأنه كان عاشقاً عذرياً لحبيبة كما كان يفعل شعراء العفاف؛ بل مات بسكتة أخلاقية مفاجئة ناتجة عن ورم طائفي مزمن لم يكتشفه المعجبون فيما مضى، ولذلك بقي الورم داخل روح سعدي لثمانين سنة ثم انفجر بمنتهى القذارة في وجه مليار مسلم! لن نبكي على سعدي حينما يوجه إساءة إلى رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم وأمنا عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فهم أكرم وأعلى من أي سعدي، ولن نبكيه أيضاً لأن السقوط يظل خياراً شخصياً لا علاقة لنا به، وها هو سعدي يختار بملء إرادته أن يسقط على وجهه في آخر أيام شيخوخته!! سنبكي فقط على الثقافة العربية المعذبة من نصف قرن بسعدي يوسف وأمثاله من الديناصورات المختلة التي تجاوزت أعمارها الافتراضية، ومع ذلك تحاول من حين إلى آخر أن تعود إلى الأضواء بأكبر قدر من الضجة التي لا تستحقها، ولم تستحقها يوماً. بهذه القصيدة الساقطة يختصر سعدي يوسف كثيراً من العقد والأزمات النفسية التي يعيشها المثقف الطائفي؛ حينما تبدأ وطأة العمر تأخذ نصيبها من الجسد مع عدم وجود الروح الصافية التي تعقلن التصرفات ولا العقل الهادي إلى الرحيل المؤدب من الحياة. سيبقى هدف سعدي يوسف وأقرانه البقاء على قيد (حياة) من أي نوع ولذلك لا تستغربوا هذه القذارات والتجنيات على المقدسات والرموز التي تخرج من هؤلاء حينما يشعرون بانصراف المعجبين إلى مواقع وأسماء تناسب العصر، وترفض المتاحف. ما تجشأه سعدي يوسف قبل أيام ليس ضربة زهايمر عابرة بل سكتة أخلاقية قاصمة وأبدية؛ ستجعله يعيش بقية حياته ساقطاً على وجهه أينما حلّ وارتحل.. إنها نهاية طبيعية لديناصور عربي مات منذ عقود ولم يبق إلا مراسم دفن متواضعة قد لا تأتي أبداً!!