الحديث عن مشكلة الضعف في اللغة العربية التي نعاني منها لا يتوقف، والتفسيرات حول أسباب الضعف كثيرة، ولكن من وجهة نظر بعض المتخصصين أن المشكلة تكمن في أن ضعفها ناتج عن قلة الجهد في تعلمها، فكيف يمكن إتقان أي علم بدون دافع وجهد وإرادة جادة؟ إضافة إلى أن استخدام العامية في المجتمعات بشكل مستمر أدى إلى هذا الانفصام بين اللغة المقروءة، واللغة المحكية، وأصبح الأشخاص يجدون صعوبة في التعبير عن أفكارهم بالفصحى، بل يعجز بعضهم حتى عن تحديد مسميات الأشياء، وبالتالي فإن الحل في الصبر على تعلمها، والعمل على تضييق الفجوة بين العامية وبين الفصحى بمداومة القراءة والالتزام باستخدام الألفاظ الفصيحة في لغتنا اليومية تدريجيا، وتوسيع المشترك من الألفاظ بينهما، وهذا سيؤدي إلى الارتقاء بالفكر لأن اللغة والفكر مرتبطان، والضعف اللغوي يعني ضعف الفكر، والعكس، ومن اجتهد في إتقان العربية بمفرداتها ومعانيها واشتقاقاتها وفنونها وأوصافها فقدأثرى فكره، وعندما يثرى الفكر تثرى اللغة وهكذا . إن القراءة في كتب فقه اللغة، ومعاجم اللغة العربية قديمها وحديثها تظهر ثراء، وعمق هذه اللغة ودقة دلالاتها وتفاصيلها. في كتاب «فقه اللغة وسر العربية» لأبي منصور الثعالبي وهو يعد من المراجع القيمة في تعمقه بلباب اللغة، وفي دراسته الألفاظ حسب موضوعاتها ودلالاتها بصورة مشوقة، يجد القارئ المحب للغته متعة وفائدة لا توصفان، وأحب هنا أن أقتطف منه أمثلة بدون ترتيب، بعضها يحتوي ألفاظا نستخدمها في لهجتنا ولا يعرف الكثير منا أصولها: «ولا يُقالُ كُوزٌ إلا إذا كانَتْ له عُرْوَة، وإلا فهو كُوب، ولا يُقالُ قلَمٌ إلاّ إذا كانَ مبريًّا، وإلاّ فهو أُنْبوبَة، ولا يُقالُ خاتَمٌ إلاّ إذا كانَ فيه فَصّ، وإلاّ فَهُوَ فَتْخَةٌ» أي(حلقة). في ترتيب الصمم :يُقَالُ بأذُنِهِ وَقْر، فإذا زَادَ فَهُوَ صَمَمٌ، فإذا زَادَ فَهُوَ طَرَشٌ، فإذا زَادَ حَتَّى لايَسمَعَ الرَّعْدَ فَهُوَ صَلَخ. وفي تفاصيل الصلع وترتيبه:«إذا انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ جانِبَيْ جَبْهةِ الرَّجُلِ فهو أَنْزَعُ ، فإذا زَادَ قَلِيلاً، فَهُوَ أَجْلَحُ، فإذا بَلَغَ الانْحِسَارُ نِصْفَ رَأْسِهِ أَجْلَى وأجْلَهُ، فإذا زَادَ فهو أَصْلَعُ، فإذا ذَهَبَ الشَعْرُ كُلُّهُ فَهُوَ أَحَصُّ». «الخَمْخَمَةُ ضَرْب مِنَ الأكْلِ قَبِيح»، «البَرْطَمَةُ هي غَضَب مَعَ عُبُوس وانْتِفَاخ»، «القَفْقَفَةُ لِمَنْ يَجِدُ البَرْدَ الشَّدِيدَ» «البَرْبَرَةُ حِكَايَةُ أصْوَاتِ الهِنْدِ». صوت المريض عندما يخرج رقيقا فهو الرنين، فإذاخفي فهو الهنين، وإذا زاد فهو الأنين، وإذا ارتفع فهو الخنين. وفي الحزن يقول: الكمد الحزن الذي لا يستطاع إمضاؤه، البثّ أشد الحزن، الكرب الذي يأخذ بالنفس، السدم هم في ندم، الوجوم حزن يسكت صاحبه، الأسف حزن مع غضب. أما أسماء المطر حسب صفاته وأحواله فقد أتى المؤلف بالعجب. حري بمعلمات ومعلمي اللغة أن يقرأوا مع الطالبات والطلاب من وقت لآخر في تلك الكتب التي تمتعهم وتحببهم بلغتهم، وتكشف لهم عن أسرارها وخفاياها، وتدفعهم لاقتنائها والاستفادة منها في زيادة محصولهم اللغوي، وتصحيح أساليبهم، وربط ماضيهم بحاضرهم.