ربما لاحظتم أن أزمات الوطن العربي أخذت حيّزاً في وسائل الإعلام. لكن ذاك الحيّز يضيق قليلا قليلا كلما مرت الأيام، حتى إن الأحداث لم تأخذ النصيب الأوفر من الأحاديث المنزلية، وأقصد حديث الدواوين، وحديث ربات البيوت والفتيات والفتيان. أنا من الذين عايشوا أزمة العدوان الثلاثي - وكنّا في الثانوية آنذاك - ولم نكن نسمع إلاّ الحديث الحامل لأخبار قناة السويس تأميماً واعتداءً. وإذا كان القوم في نزهة بريّة فإن أول ما يهتمون به هو نصب الهوائي للراديو (الإيريال) حتى لا يفوتهم من الأحداث جديدها. أعتقد أن الناس ملّوا من التجاذب السياسي العالمي، أو أنهم انهمكوا في المساهمات وتوزيع المخططات، ثم الأسهم ودورانها. وكان الجميع يصمتون قبيل كل نشرة أخبار، وبالأخص من يستطيع جهازه نقل راديو لندن. بعضهم يقول للآخر: أخذت لندن؟ ويقصد طبعاً هل سمعت نشرة أخبار لندن. والجميع لديهم الاعتقاد السائد بأن "أخبار لندن"هي وحدها الصحة والصدق. أما عن الذين يرددون الأخبار دون عمق كاف، فكان الناس يسمونهم "وكالة رويتر". ولا أدري لماذا، لأن الوكالة كانت أول من قدّم عملية الاشتراك بالمبرقات. أي تبعث أخبارها لمن يرغب.. ويدفع. أستطيع القول إن المنزل السعودي الآن لا يعرف مواعيد نشرات الأخبار، فكيف بسماعها. من حيث الأشخاص، فإنّ اكثر بلدان العرب الذي كان "مضرِب مثلٍ" في ازدحام النخب السياسية، أصبح يعاني شُحّاً في الشخصيات المؤهلة للنقاش والحوار والكتابة ليس ذلك فحسب، بل إنّ شريحة واسعة من النخب الحالية باتت تعاني من العطلة والفراغ، ما ألقى بها إلى الصالونات السياسية، التي تمارس فن النميمة، من شدة الإحباط، ولا تخلق حواراً موازياً مفيداً لسياسات الدولة. المشهد السياسي، حالياً، يدور بين نوعين من النخب، الأول يُطلق عليه "النخب التقليدية"، وتمتلك خبرة سياسية، ولها قدرة على مخاطبة الرأي العام، لكن أغلبها يفتقد القدرة على تطوير رؤيته ومؤهلاته، والجمع بين خبرات متعددة، فضلاً عن "أزمة المصداقية" التي يعاني منها. على الطرف المقابل، برزت خلال السنوات الأخيرة "نخبة" جديدة، تُغلّب الاعتبارات الاقتصادية على السياسية، وأغلبها لا يمتلك خبرة سياسية، ولا حتى قدرات على التواصل مع الشارع، وتبدو تصوراتها في كثير من الأحيان غير شعبية، ما يجعلها معزولة، ضعيفة، غير قادرة على التعبير عن نفسها. لمراسلة الكاتب: [email protected]