ليس صحيحاً البتة أن نضع كبار السن من آباء أو أجداد موضع الجهل. ولا أُبالغ إذا قلت إنهم – رغم أُمية أكثرهم – يتابعون ويعرفون ويدلون بآراء وتحاليل للشأن العام لا يتمتع بنصفها أحفادهم من الجيل الحالى . أغلبهم لا يفارق المذياع مجلسه و" مشراقه " والقهوة والحوش ومنامه فى السطح فى ليالى الصيف. يديرون مؤشر الموجات بحثا عن إرسال صاف لمعرفة الأخبار. وبالرغم من التشويش الذي يغطي على الصوت فى أحيان كثيرة فإن شغفهم بالمعرفة كان يجعلهم يجلسون فترات طويلة متحملين هذا التشويش وغياب الصوت وعودته. والحصول على الأخبار يتطلب الحصول على مكونات كثيرة لاستقبالها ؛ فالراديو كان فى الخمسينيات الميلادية كبير الحجم . والبطارية الجافة مستطيلة ثقيلة الوزن قد تصل إلى أربعة كيلوغرامات أو تزيد . والهوائى ( الإيريال ) يُثبّت فوق سطح المنزل الى ارتفاع شاهق . قال شاعر شعبي عن نفسه وقدرته على تقصّي الأخبار : - فيليبسٍ ( ن) صافى حسّه وسلكه بالسما ممدود يجيب الصوت من لندن ودلهى للمسهريّه . وقبل تلك المرحلة كان الراديو يجرى تشغيله ببطارية سيارة . ويأخذ وقتا حتى " يحمى " . فلنتصور معا كيف كان الآباء والأجداد يريدون العيش فى خضم الأحداث ، وليس على هامشها . وتوسّع الناس فى استعمال المذياع ( الراديو ) وكثُر تداوله، وبدأت المتاجرة به . فنصح بعض المشايخ فى عدد من المدن السعودية باجتنابه، والبعض أفتى بتحريم وتجريم حيازته أو بيعه أو شرائه أو التوسط فى ذلك ( الدّلال ). فابتدع أهل الخبرة فى التجارة حيلة يستطيعون من خلالها مزاولة التجارة الجديدة دون أن " يزعل المشايخ "، فصار (الدّلاّل ) يمر فى سوق البيع والشراء حاملا بيده بطارية من ذلك النوع المستطيل الثقيل الوزن وينادى: " من يبا البطّارية " وعند وجود الزبون يأخذه الدّلاّل الى الأزقة الخلفية، حيث المنزل الذى خبأ فيه التاجر بضاعته ( نوعين أو ثلاث ماركات من الراديوهات ) فيختار الزبون ما يحلو له ، ويجرّبه و"يادار ما دخلك شر " .