ألا تلاحظون معي أن الحديث الشفهي في السياسة والتقلبات التي تجتاح الوطن العربي قلّ وبنسبة ملحوظة عن السابق؟. قصدي عن زمن الخمسينيات والستينيات من القرن الميلادي الماضي. كانت الناس تتحدث في الشأن السياسي العام. حتى قيل إن صاحب سيارة الأجرة في بغداد يدلي بأحاديث لا تخطر على بال الزبون. وكذا الحلاق (وربما كان الحلاق حزبيا).. فعليك أن تجاريه حتى لو لم تتفق معه (لأن راسك بين يديه!).. والآن. الأحداث تتكوّم في حنايا ذهن المواطن العربي، والأخبار تتسارع بطريقة يصعب اللحاق بها، والوضع على العموم غير مناسب لهواة كثرة الحكي. (حكي القهاوي - قصدي مجالس المنزل عند أهل نجد - قابلهُ لمرحلة زمنية لم تعد عبارة: حكي الجرايد). تساءلت في موضوع سابق عن محرري الصحافة اليومية الذين يصيغون الخبر أو الحدث وينشرونه وعند الطباعة يكون الحدث قد انتهى أو تبلور وتحددت أبعاده بل ومعظم تداعياته ومع هذا يجد في نفسه الجراءة والشجاعة -بل بعض التبجح- ويصر على النشر. الآباء، في مجالسهم، تحدثوا عن الحرب العالمية الثانية كل ليلة تقريبا ولمدة أربع سنوات. ثم بعد ذلك أخذ الحديث مكانة هامة عن ثورة مصر، ودام تقريبا أربع سنوات، وعرفنا أسماء الضباط الثلاثية. تلا ذلك تأميم قناة السويس والاعتداء الثلاثي والوحدة بين مصر وسوريا ثم ثورة العراق. وسكتنا سبع سنوات حتى حرب 67. وهدأنا كثيرا (عن الحكي) حتى حرب العبور 73 عاما. ألا تلاحظون أننا في الأشهر الأخيرة عشنا تقلبات جعلتنا نسكت قليلا لأننا، وببساطة، لا نعرف (وش ناخذ وش نخلّي). ثم إنك ما أن تبدأ في الحديث إلاّ وقد تطوّر الخبر. هذا -في رأيي- جعل الحديث في السياسة نوعا من العبث واللا جديد، لأن كل ما خطر ببالك قوله، أو طرحه أو مناقشته مع "الشلة" جاء في الهاتف أو في "خبر عاجل" فإذا أثرته لا تسمع تعليقا. ومرة أخرى أقول إن الناس قللوا الحديث في السياسة والمتغيرات في الوطن العربي وحظي باهتمام شتى فئات وشرائح المجتمع في جميع الأقطار العربية. فناله قسط كبير من النقاش والتحليل في شتى وسائل الإعلام العالمية. لذا نستطيع القول إنه قد طاله الكثير من التحليل والتدقيق والتمحيص من جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأصبح كل تحليل يحتاج إلى توابل ليُسمع.