الطيبة والشهامة و"الفزعة مع أشباه الرجال" قادتهم خلف قضبان السجن منذ أشهر وبعضهم سنوات، حيث لم تنفعهم مبادئهم الأصيلة -التي يفترض أن تبقى راسخة في النفوس مهما كانت مواقف الآخرين منها- حين وجدوا أنفسهم مطالبين بمبالغ مالية لم يستفيدوا منها شيئاً، بعد أن كفلوا بها أشخاصاً قصدوهم ب"حبة خشم" و"تكفى يا بو فلان" ووعدوهم وضربوا على صدورهم فقبلوا شهامة و"مرجلة" و"علمٍ غانم"، لكنهم دفعوا ثمن كل ذلك، وانتهت بهم تفاصيل الحكاية إلى السجن، بعد أن تعثّر المدين وتورط "الكفيل الغارم" بمبالغ لا يجد ربعها. "الرياض" تواجدت في سجن الملز بمدينة الرياض، والتقت نزلاء مسجونين بذنب غيرهم حين كفلوهم ليفرّجوا كرباتهم فوجدوا أنفسهم خلف القضبان، يضربون يدا بأخرى لاحول لهم ولا قوة، ولا يجدون ما يسددونه ثمناً لشهامتهم التي كبلت حريتهم. كفالة أرملة قصة (م.ح) -45 عاماً- كانت مختلفة للغاية، فرغم حاجته والديون التي عليه، إلاّ أن شهامته لم تمنعه من كفالة قريبة له وصديقة زوجته التي زكتها وشرحت له ظروفها؛ فهي أرملة وتعول أبناءها وتحتاج مبلغا من المال لتدفع إيجار شقتها، قائلاً: "لو كان أي رجل مكاني لما تأخر عن كفالتها، فهي امرأة ولن تستطيع تدبير المبلغ إلاّ بالدين، فكفلتها لدى شركة سيارات لتحصل على مبلغ 50 ألف ريال، والتزمت بالدفع على فترات متقطعة، ثم تعثّرت فلم تستطع أن تدفع إلاّ عشرة آلاف من المبلغ الكلي، فتفاجأت بعد مدة بإيقاف خدماتي لأني كفيلها لدى الشركة، ثم تم القبض علي منذ ثلاثة أعوام بمبلغ 40 ألف ريال". مطالب بإعادة النظر في «كفالة الغُرم» و«كمبيالات» شركات التقسيط وسداد «اللجنة» عن شيكات بدون رصيد وأضاف: "لم أندم لأني كفلت امرأة محتاجة فوجودي هنا أرحم بكثير من وجودها هي، ولو قدر لي لسددت عنها، أما أبنائي وزوجتي فلهم رب كريم يرعاهم، وأهل الخير لا يقصرون عليهم، خاصة بعد انقطاع راتبي عنهم، رغم أني اجتهدت كثيراً لتوفير حياة طيبة لهم، واقترضت مبلغا من المال في السابق ولكني لم أوفق للأسف"، موضحاً أن الجميع يواجه مشكلة مع الشركات المقرضة، ففي حال طلب تمويل تشترط الشركات توقيع شيك بقيمة المبلغ كاملا في شيك واحد، وهذا الأمر لا يصح؛ لأنه لو تعثّرنا بقسط واحد سيقدمون الشيك مطالبين بالمبلغ كاملاً بالفوائد، بينما الشيك يعد ضماناً لهم ولا يعني أن يطالبوني بالمبلغ دفعة واحدة ويضيقون علي! مطالباً وزارة التجارة والصناعة أن تتحرى عن مدى نظامية هذا الإجراء الذي ذهب ضحيته كثير من المواطنين، ودفعوا ثمن حريتهم خلف القضبان. كفلته وهرب! بينما سعى (ع.غ) -62 عاماً- وأب لست فتيات وأربعة أولاد للتفريج عن كربة شاب في مقتبل عمره يمتهن مهنة التدريس ليشتري سيارة جديدة ويتزوج. وقال:"قادتني طيبتي إلى كفالته بعد أن عرفته عن طريق صديق لي، فطلب مني كفالته بملبغ 170 ألف ريال، فقبلت بعد أن زكّاه صديقي، وفعلاً التزم بدفع ثلاثة أقساط ثم ترك مدرسته وغيّر أرقامه وأصبحت أنا الضحية، فعندما حان موعد السداد سجنوني لأني من كفله، فبقيت خلف القضبان منذ أربعة أشهر لا أجد ما أدفعه وليس لدي من أبنائي من هو موظف فيعينني"، معاتباً نفسه:"الصدق والثقة في المراجل ما يفيد.. ورطني وشتت عيالي وحسبي الله ونعم الوكيل"، مقترحاً إعادة النظر في الإجراءات الخاصة ب"كفالة الغُرم". شريكي في التجارة بينما (ح.أ) -40 عاماً- زج به خلف القضبان صديقه وشريكه في التجارة، قائلاً: "كفلت شريكي في العمل بعد أن استدان من صديق لي مبلغ 500 ألف ريال، بهدف تجارة تحسين الأحوال، فكفلته بشيك بمبلغ مليون ريال -أي المبلغ مع الأرباح- وبعد مدة قصيرة تغيّب هذا الرجل فأصبحت اتصل عليه ولا يجيب حتى أصبح رقمه مقفلا، وعلمت فيما بعد أنه انتقل إلى إحدى الدول الخليجية، وعندما حان موعد السداد لم يجد صديقي الرجل فتقدم بالشيك للشرطة لأكون أنا هنا ضحية طيبتي، وحاولت أن أشتكي الشخص الذي تسبب في وجودي خلف القضبان، ولكن النظام يجبرني على السداد أولاً ثم الادعاء على الخصم؛ فالقانون لا يحمي المغفلين"، مشيراً إلى أنه تعامل مع شريكه برجولة وطيب أصل، ولكن كان الغدر هو مكافأته منه، مستدركاً:"حقيقة لا أعلم هل هو توفق بالتجارة أم خسر، ولو كان فعلياً خسر فليته صارحني لنجد الحل سوياً، وفعلياً أن لا أجد ما أسدد به، خاصة أنه لا وظيفة لي". دية قتل بالخطأ أما (ع.ه) -34عاماً- مسجون منذ عامين فكانت قصته مختلفة، حيث وجد نفسه ضحية دية لروح لم يقتلها، قائلاً: "كان لدي عامل صومالي على كفالتي وهو مقيم في المملكة مع زوجته وأبنائه، ويعمل على شاحنة؛ فتسبب بحادث لقى فيه ثلاثة أشخاص مصرعهم، وبعد أن توقف في المرور لمدة شهرين صدر أمر من الإمارة بإطلاق سراحه بالكفالة الحضورية ومتابعة مجريات القضية خارج التوقيف؛ لأنه قتل بالخطأ، وفعلا كفلته لأنه على كفالتي وأخذت منه جوازه وإقامته وكافة أوراقه الرسمية لأضمن وجوده والتزم فعلياً بالحضور، وحينما حكم الشيخ بدية شخصين 600 ألف ريال وتبقت دية الثالث، هرب العامل إلى النرويج وأخذ زوجته وأبناءه معه، ويكمل -بعد أن غلبته دموعه- تم التعميم علي لأجدني خلف القضبان ومطالب بأكثر من نصف مليون ريال في قضية لا علاقة لي بها، فتعطلت مؤسستي وأوقف نشاطها وخسرت كل ماجمعته في لحظة وحسبنا الله ونعم الوكيل! صديق أخي بينما كان (ع.ط) -46 عاماً- خلف القضبان منذ ثلاثة أعوام؛ نتيجة كفالته لصديق شقيقه الذي زكاه شقيقه وشهد له، قائلاً: "أنا ضد مبدأ الكفالة، ولكن أزعجني شقيقي وصديقه يومياً بطلب الكفالة؛ بهدف الزواج حتى رضخت للأسف وكفلته بمبلغ 222 ألف ريال، وأنا على مضض، ولكن رغبة مني بسترة ليكمل نصف دينه، ولم أستطع أن أكسر بخاطر شقيقي الذي كنت أعتقد فيه الابن البار، وفعلاً التزم صديقه بالدفع أربعة أقساط ثم اختفى ورحل معه شقيقي، لأفاجأ بأني مطلوب وجميع خدماتي موقفة فاتجهت إلى الشرطة وسلمت نفسي، فأنا لأجد ما أسد به جوع أبنائي وبناتي، وأعمل ليل نهار لأوفر قوت الليلة، وها أنا مسجون منذ ثلاثة أعوام خلف القضبان ولا يعلم إلاّ الله بحالة أبنائي من بعدي! استدراك وتوضيح وتتعدد القصص وتختلف خلف قضبان سجن الملز، لأشخاص قُيّدت حرياتهم منذ سنوات نتيجة شهامتهم التي دفعتهم لكفالة أشخاص في مبالغ مالية لا يملكون منها شيئاً، ويرجون في هذا الشهر الفضيل من ينفّس عنهم كرباتهم ليعودوا إلى أهاليهم. من جهة أخرى تواصلت "الرياض" مع إدارة السجون حول إمكانية النظر بوضعهم والسداد عنهم من قبل اللجنة المخولة بالسداد عن سجناء الحق الخاص، واتضح أن جميعهم يعيقهم ذلك لأن قضاياهم شيكات بدون رصيد ولا تنطبق بحقهم شروط اللجنة. * "الرياض" تشكر مدير عام السجون اللواء إبراهيم الحمزي لتعاونه ودعمه، وتشكر مدير سجن الملز العقيد سلمان العتيبي (ع.غ): مسجون منذ أربعة أشهر في كفالة 170 الف ريال (م.ح): أمضيت ثلاث سنوات بسبب 40 ألف ريال (ح.أ): كفلت شريكي وهرب ودفعت الثمن (ع.ه): مكفولي هرب وتحملت دية قتل الخطأ (ع.ط): صديق شقيقي ورطني بمبلغ 222 ألف ريال على متابعته، والرائد عبدالله الحربي لجهوده في هذا العمل.