أرواح معلقة بين الأرض والسماء تناشد الحياة أن تمنحها فرصة أخرى لتتنفس الحرية وتعود بروح مغسولة من دماء تلوثت بها؛ نتيجة خطأ وأحياناً شرارة غضب فكانت النهاية روح مزهقة وأخرى تنتظر حدّ السيف. شبان في سن الزهور يترقبون من يعتق رقابهم ابتغاء وجه الله، ويبعثون بدعواتهم كل ليلة وأنفسهم ذليلة منكسرة باكية للمولى عزوجل أن يرفع عنهم مصيبتهم، وفي قلوبهم أمل ورجاء للمحسنين وأهل الخير أن يقفوا معهم في دفع دياتهم قبل موعد الخلاص؛ ليعودوا إلى أحضان أمهاتهم وأولادهم ويكملوا مشوارهم في الحياة. "الرياض" تواجدت في سجن الملز بالرياض، وعايشت قصصاً لسجناء محكوم عليهم بالقصاص، ونقلت رسائلهم ودعواتهم وأمنياتهم فيما تبقى من هذا الشهر الكريم، وعشره المباركة، وهي ترجو من يعتق رقابها ويساهم بدفع الديات المطلوبة قبل انتهاء المهلة، وذلك بالتنسيق مع اللواء "إبراهيم الحمزي" -مدير عام السجون- الذي كانت توجيهاته ودعمه نموذجاً للمسؤول الواعي الذي يستثمر الإعلام لتحقيق رسالته الإنسانية، ومتابعة الرائد "عبدالله الحربي" الذي كان حاضراً برؤيته وجهوده المخلصة. مناشدة «مجتمع الجسد الواحد» للمساهمة في دفع الديات قبل أن تنتهي بهم رحلة الحياة غضب ودية! بداية دخل الشاب "م.د" -22 عاماً- مكبل اليدين والرجلين بالأغلال، مسجون منذ خمسة أعوام، ادعى نسيانه للحادثة في البداية رغبة منه بعدم الحديث عن كابوس أنهى حياته قبل أن يبدأها، وبعد عدة محاولات وإن اقتنع بأن طرح قصته لمساعدته أجاب قائلاً: "كنت نافعاً لوالدي كثير العمل في المزرعة ورعاية المواشي؛ الأمر الذي أرغمني على ترك المدرسة والتفرغ للعمل، فبعد جهد متواصل كافأني والدي بمبلغ 500 ريال، وكنت سعيداً به، فتوجهت للبقالة واشتريت بيبسي وبطاقة شحن بعشرة ريالات وتسالي عشان أروح للشباب نهاية الحارة ونتكي، وعندما توجهت لأخذ الحساب تفاجأت بأن العامل أعاد لي 100 ريال، اعتقاداً منه أني صغير في السن ولن أعرف أحسب، فعندما تجادلت معه أنكر بأني أعطيته ال500 ريال، ونتيجة المشادة الكلامية والغضب والاستفزاز كان بجواره سكين وينظر إليها فسبقته إليها وطعنته بالوريد!". يصمت "م.د" لحظة ثم يكمل "كانت لحظة مفصلية بحياتي، حين شفت العامل طايح بالأرض والدم حوله خرجت بهدوء ورحت البيت، دخلت غرفتي وأنا موب حاس بشيء ومامرت عشر دقائق إلاّ وبيتنا متحاوط من الشرطة وسلمت نفسي". يسابق عبراته قبل أن يكمل، مضيفاً: "دخلت هنا وسط ذهول والدي ووالدتي اللذين لم يستوعبا الأمر، وكان والدي يحضر في الأسبوع ثلاث مرات وفي كل مرة يأتي فيها يبكي وينوح كأم ثكلى، ويعدني أنه لن يتخلى عني ولو وصل الأمر أن يقصونه عني -سكت لحظة يغالب بها دموعه وأكمل- أصيب والدي بجلطة في القلب بعد دخولي مما جعل قلبه ضعيفاً، ولم يكمل العام بعد دخولي ليموت ويتركني!". وأشار إلى أنه تمنى لو أنه ودع والده أو حضر جنازته ودفنه ولكن لم يسمح له النظام بذلك، فكانت تلك قصة فراقه مع والده بلا وداع، ويختم قصته قائلاً: "تزورني والدتي وأخوتي ويحاولون ساعين أن يجمعوا مبلغ الدية قبل انتهاء مهلة القصاص"، موضحاً أنه ينتظر من يدفع عنه ديته أو أن يسلم رقبته للسيف فتنتهي قصة ألم ومعاناته؛ نتيجة خطأ ارتكبه وهو مراهق، حيث أن الدية المطلوبة مليون ريال!. مخمور وحادث وتحدث الشاب (ر.خ) -22 عاماً- عن قصته التي كان فيها ضحية انفصال والديه، ومشاكله المستمرة نفسياً واجتماعياً بعد ذلك، حيث قادته للمسكرات وهو في عمر ال14 عاماً وتحمله للمسؤولية في وقت مبكر وهو غير مؤهل لتحملها، حيث أنه لايزال صغيراً وبحاجة إلى رعاية واحتواء. وقال: "كنت أهرب من دمعات والداتي ومشاكلها مع والدي إلى الشارع الذي قادني إلى المسكر لأنسى وفعلاً نسيت، واستمررت على هذا الحال دون أن يلاحظ أحد أني أشرب المسكر، ولم يعلموا إلاّ يوم الحادث الذي قادني إلى السجن، ففي ذاك اليوم طلعت من الاستراحة شبه مخمور كالعادة وأحببت أن أدور بسيارتي حتى أفوق قبل أن أتوجه للمنزل الساعة الثانية صباحاً، فمالت السيارة مني واصطدمت بوافد وزوجته، وبعد ثلاثة أيام علمت أن زوجة الوافد توفت -رحمها الله-". وأضاف:"أعلم أن ما حصل لي خيرة ولو لم يحصل هذا الحادث لكنت على نفس وضعي السابق، فالمسكرات لم تكن اختياري وكنت أشعر بالتورط بها مع مرور السنوات، ولكن الوضع غير المستقر الذي كنّا نعيشه كان سبباً في ذلك، وللأسف لم يستقر حالنا إلاّ في العام الأخير، لكن ما يقتلني الآن هو دمعات والدتي وأنا في هذا المكان، ففي كل مرة تزورني تبكي بحرقة أول يوم دخلت فيه إلى هذا المكان، حيث حكم علي الشيخ بدية 213 ألف ريال، و280 جلدة، والسجن لمدة عامين". مشادة وقتل أمّا قصة الشاب (م.ب) -29 عاماً- مختلفة، فهو طالب بجامعة الملك سعود تخصص إدارة أعمال مصرفية، ولم يكمل مشواره، ونزيل منذ -ثلاثة أعوام و 7 أشهر- وراح ضحية ثأر سابق وغضب. وقال:"لدي أحد أقاربي متورط بقضية دم، والأمر هذا جعل جميع شباب العائلة معرضين للقتل كثأر للمقتول، وكنت ذاهب إلى منطقة بها أشخاص من أهل الثأر فطلب مني والدي حمل السلاح لحمايتي في حال باغتني أي أحد منهم -للدفاع عن النفس-، وخلال توجهي لتلك المنطقة حصل لي حادث واصطدمت بوافد عربي، فتلفظ علي وتلفظت عليه وازدادت الشرارة حتى أطلقت النار على مركبته لأخوفه وأكملت مشواري، وبعد مرور يومين سمعت عن قصة وافد مقتول والأسباب مجهولة، فشكّيت بالأمر بعد أن عرفت تفاصيل القصة ومكان وجوده فأبلغت شقيقي الأكبر الذي اقترح علي أن أذهب وأسلم نفسي، وفعلاً توجهت لأقرب مركز للشرطة وأوضحت لهم شكوكي لتصيب للأسف، فعرفت فيما بعد أن الرصاصة أخترقت السيارة لتستقر برأسه -يرحمه الله-. وأضاف -بعين دامعة-:"والله العظيم لم يكن بنيتي قتله، ولم أتوقع في حياتي كلها أنني سأقضي عمري هنا لينتهي بي المطاف الذي لم ابتديه بعد بانتظار من يدفع عني دية بلغت 34 مليون أو القصاص في حال انتهاء المهلة، وما يؤلمني حقاً هي والدتي التي لم تتجاوز الحادثة حتى الآن، وفي كل مرة تزورني تسقط منهارة!". مرض نفسي! وتختلف القصص المأساوية وتختلف أحداثها وأسبابها ومعطياتها فمنهم من هم ضحايا لحظة غضب أو استفزاز ومنهم من قادتهم الظروف والأحداث لمواقف أنهت حياتهم وأمالهم وطموحهم في لحظة، وهناك من كان ضحية مرض نفسي تهاونت به أسرته خوفاً من الاعتراف بوجوده بينهم، فلم يقتصر فيها الضرر على نفسيته المتقلبة وأهل بيته بل تجاوزته لتصل إلى عامل النظافة الذي كان يؤدي واجبه فالتقاه النزيل (ن.د) -مصاب بانفصام الشخصية-؛ مما جعله ينهي حياة العامل بأربع طعنات في أماكن متفرقة بزعم أنه أزعجه خلال تنظيف الحي. هؤلاء وغيرهم يناشدون (مجتمع الجسد الواحد) بعتق رقابهم في شهر نرجو فيه عتق رقابنا وآبائنا وأمهاتنا من النار، ويناشدون أهل الخير بأن يمنحوهم حياة جديدة بدفع دياتهم ولو من باب المساهمة بمبالغ بسيطة؛ ليكتمل المبلغ الكلي ثم يبدأوا رحلتهم مع الحياة من جديد. (ن.د): قتلت عامل النظافة وأنا مريض نفسي (ر.خ): تعاطيت المسكر وتسببت في حادث موت (م.ب): مشادة كلامية انتهت إلى قتل بالخطأ (م.د): ارتكبت جريمة القتل وأنا في سن 15 سنة