حصن منيع يبعد عن الرياض عشرات الكيلو مترات ، مباني شاهقة متعددة تحمل أرقاماً ومسميات لعنابر مختلفة ، يقبع خلفها أناس بينهم تائبون عائدون لله يرغبون من يعتق رقابهم لوجهه الكريم وابتغاء مرضاته، يحلمون كل ليلة بحد السيف، يعلقون آمالهم في السماء وقلوبهم ترتعد خوفاً أن تكون ليلتهم الأخيرة. شباب في عمر الزهور وكبار ونساء يبتهلون للمولى ثم لأهل الحقوق أن يعتقوهم لوجه الله محتسبين بذلك الأجر والثواب وأن يعتق الله رقابهم من النار، كما اعتقوا رقاب عباد ضعاف لا يملكون من أمرهم إلا الدعاء. « الرياض « في إطار مبادراتها الإنسانية ومسؤوليتها الاجتماعية تجولت بين عنابر إصلاحية الحائر بمعية النقيب محمد المالكي الذي سهل مهمة «الرياض» ، والتقت بعدد ممن تم الحكم عليهم بالقصاص ، رغبة منها في أن يتدخل ولاة الأمر ويشفعوا لهم عند أصحاب الحقوق بإعتاق رقابهم، ليكتبوا لهم حياة جديدة بعد مشيئة الله ، وأن يبادر أصحاب الحق في التنازل والصفح لعل الله أن يكتب لهم بها جنة عرضها السموات والأرض. بدأ الشاب ( م.د ) - 30 عاماً - قصته قائلا : قضيتي سببها دفاع عن والدي عندما كان عمري 21 عام ، فقد تعرض والدي للسرقة من قبل شاب ، وعندما أراد استرداد ماسُرق منه قام الشاب بضربه ، فخرجت من السيارة وضربت السارق وأكمل : في الليل جاء الشخص برفقة أبناء عمه وضربوني أمام باب بيتنا وتدخل إخواني ووالدي فقمت ولحقت الشخص وفجأة « ارتطم بعامود إنارة في رأسه وهو يركض وسقط مغمى عليه»، وبعد أربعة أيام توفي إثر نزيف داخلي. كان يحكي وهو في قمة الانكسار والألم ، قضى تسعة أعوام من عمره خلف القضبان ، بعد أن كان عريساً جديداً يحلم بتأسيس حياته ، رزقه الله بطفله تبلغ من العمر الآن تسعة أعوام ، ولا زال يتأمل من أصحاب الحق أن يعفو عنه ليربي ابنته!!. وفي جهة أخرى في المكتبة الخاصة بإحدى العنابر ، يجلس رجل مسن قضى أكثر من 10 سنوات في السجن، وجدناه يقرأ القرآن والدموع تبلل لحيته المعفاة والمكسوة بالشيب والوقار، وقال : «قتلت زوجتي وأنا مسحور ، وسبق أن نبهها أحد الرقاة الشرعيين أن تبتعد عني، ولكنها فضلت رحمها الله البقاء» واستغرق وقتا طويلا وهو يبكي ثم أكمل « جاء اليوم اللي طلعت من غرفتي وقتلتها أمام عيالها وبناتها بدون وعي مني ، عشرين سنة يابنتي عمري مامديت يدي عليها، والله أني أحبها وابكيها بكل وقت هذه حبيبتي وزوجتي وأم عيالي رحمها الله ، اريد أن ارجع لأولادي وأربي ولدي المعاق ، لا أريد شيء من هالدنيا «. وقصة أخرى صاحبها ( م .ع ) - 27 عاماً - مختلفة تماما ، فهو شاب في سن الزهور، علامات الصلاح عليه متجلية وواضحة ، أحضروه للحائر منذ 9 سنوات وهو مراهق ذو 18 عاماً، غرر به ابن عمه الأكبر،, اقنعه بتحمل مسؤولية جريمة قتل دون أن يعلم كيف ومتى، يقول بلهجته العامية « تهاوش ولدي عمي مع زوج عمتي وقال لي امسك المسدس وأطلق عليه، نريد أن نخيفه لأن المسدس ليس به ذخيرة، وأنا صدقته وأطلقت عليه على أساس فقط مجرد صوت، وتفاجأت أن السلاح كان على الوضع الآلي « الأوتوماتيك « وأصاب زوج عمتي وتوفي في الحال». ويضيف سلمت نفسي للإمارة وحضر أبناء عمي وعمي معهم وأقنعوني بأن لا اذكر اسم ابنهم في التحقيق لأني طفل ولن يحكموا علي بينما هو رجل بالغ، وذكروني بالقبيلة كيف سيكون موقفي عندما أكبر حيث إني « حملت عن ابن عمي الدم» ، كنوع من الجميل وبعض العادات القبلية الجاهلية، وأكمل بصوت تكسوه الحشرجة : الآن أنا الذي أحمل القضية لوحدي ومحكوم علي بالقصاص وللأسف لم يكلف نفسه من كان السبب بزيارتي، طلبت أن افتح القضية ولكن أهلي رفضوا خوفاً من القبيلة والشهامة وأن أفدي ابن عمي برقبتي خاصة وأن الجماعة تعلم بأني لست قاتلاً وأن ما فعلته يعد جميلة في حق عائلتي ورفعة رأس لهم رغم يقينهم أجمع أني بريء!! لكن المتهم ناصر - 32 عاماً - قتل شخصاً وهو في حالة انفصام بالشخصية حسب التقارير الطبية ويمكث في الحائر منذ عشرة أعوام ، حكم عليه بالقصاص لأنه رأى شاباً يحوم حول منزلهم فظن أنه سارق ، انطلق راكضا وأحضر سلاح والده دون علم أهله ، وأطلق النار على الشاب ليسقط ميتا بعد أن أصابه في مقتل! وفي زاوية أخرى كان هناك ستة من الشباب يتطلعون للحياة تتراوح أعمارهم مابين 25- 29 عاماً ، يضحكون ويتعاملون مع الجميع بكل أريحية ، فهم نزلاء في الحائر منذ أكثر من ست سنوات ، لا يتبادر للذهن أنهم يمكن أن يودعوا الدنيا في أي لحظة ولا يمكن أن يتصور العقل أن السيف بانتظارهم !! ، قال ( ن . م ) و ( ع . ف ) « قضيتنا سببها مشكلة بيننا كأصدقاء مع شخص آخر ، وقت المشكلة كنا نتضارب وفجأة مات» وأكملوا : لا نعلم من هو صاحب الضربة القاضية ولا كيف توفي ، فحكم علينا الشيخ بالقصاص جميعاً. وقال أحدهم «نرجو من الله ثم من أصحاب الحق أن يصفحوا عنا وأن يعتقوا رقابنا من حد السيف ، فو الله ما قصدنا أن نقتله!» بينما ناشد محمد ذو ال24 عاماً - يماني الجنسية - من السفارة اليمنية التدخل في وضعه وأن يسعوا في طلب الصلح مع أهل القاتل ، حيث أقدم هو وصديقه بطعن يماني آخر حتى الموت خلال مشاجرة عنيفة ، طالباً أن يصفحوا عنه وأن يكتفوا بالخمس سنوات التي قضاها من عمره خلف القضبان! في الجهة الأخرى من تلك الأسوار كانت حادثة ( س .ب ) مختلفة عن أية حادثة أخرى فهو لم يقتل شخصاً غريباً أو قريباً فقد قتل ظناه وقطعة منه قتل ابنته ذات ال12 عاماً ولكن دون قصد منه - ابتدأ قصته باكيا : اشتكت مديرة المدرسة من ابنتي ومن شقاوتها الزائدة ، فوبختها بالسيارة ، وكأي طفلة خافت من العقاب ، ففضلت الهروب على أن أنفذ تهديداتي لها ، فقدت عقلي عندما لم أجدها في المنزل أبلغت الشرطة والدوريات حتى وجدوها عندما رأيتها اختلط لدي حنان الأبوة وخوفي ولهفتي فأنهلت عليها بالضرب بيدي ، وبعدها ربطت يدها كنوع من العقاب وقلت لها بالحرف ( عشان تعرفين تهربين مرة ثانية ) ذهبت لمدة نصف ساعة كنت قد حددتها كفترة عقاب ، ثم عدت لأحتضنها وأوبخها بحنان أب وأن تعلم حجم خطأها ، لأجدها متوفية، أبلغت الهلال الأحمر ، وتم عرضها على الطب الشرعي الذي أكد وفاتها نتيجة الخوف الزائد! وأكمل باكيا : ماتت ابنتي وأنا هنا منذ 10 أعوام ، حكم الشيخ حكما مضرما علي بالسجن 10 أعوام ، قضيت منها خمسة أعوام ، ووالدي توفي وأنا في السجن ولا يوجد عائل لأمي وأخواتي البنات سواي ، وأنا هنا أناشد وزير الداخلية والقضاء بأن يعاد النظر في أمري !! وخلف تلك القضبان قصص مآسٍ لأشخاص ابتلاهم الله وأخطأوا وتابوا ، أخذوا عقوبة اقتصت من أعمارهم سنوات عدة ، لازالت خيوط الأمل تداعب أحلامهم بأن هناك يد خفية ستنتشل رقابهم من تحت سيوف تنتظرهم لتفصل رؤوسهم عن أجسادهم ، يرجون من الله أولا ثم من ولاة الدم التدخل والشفاعة لدى أصحاب الحقوق بأن يعتقوا رقابهم في هذا الشهر الفضيل. شباب يقفون خلف القضبان ينتظرون لحظة تنفيذ قصاصهم النقيب محمد المالكي محكوم بالقصاص يتلمس موضع رقبته طالباً من الله أن لا تفصل عن جسده محكومون ينتظرون حد السيف لتنتهي حياتهم !! وافد يناشد القنصلية اليمنية بالتدخل في أمره المواطن م .ع يحكي قصته عشرة أعوام من عمره ولا زال يبكي زوجته شاب يرجو أن يصفح عنه أصحاب الحق بعد أن قضى 9 أعوام خلف القضبان ستة شباب حُكم عليهم بالقصاص وينتظرون تنفيذ الحكم تم سجنه وهو عريس جديد ينتظرون حد السيف ويتأملون بمعجزة ربانية تهبهم حياة جديدة المسن يروي ل(الرياض) تفاصيل حادثته أحد المحكومين بالقصاص يروي قصته يناشدون أصحاب الحقوق بإعتاق رقابهم