تقوم العلاقة الزوجية على الحب والود والاحترام وتسير العلاقة في ضوء فهم كل طرف لواجباته ومسؤولياته، ولا ريب أن العشرة بين الزوجين تكرس التآلف وبالتالي فإن التقارب الفكري والنفسي يؤسس لمتانة العلاقة وقوتها، فكل يشعر بالآخر من حيث أهميته كشريك للعمر سنداً وعضداً ودفئاً وحناناً، حصول الشد والجذب أمر طبيعي فلو جمعت بين أصفى قلبين في الوجود في مكان واحد ولمدة طويلة فإن التباين حاصل حاصل لا محالة، وهذا مرده إلى طبيعة النفس البشرية وتكوينها واختلاف أنماط التفكير بين البشر، غير أن ما يجعل العيش يسيراً هو تحقيق اكبر قدر من التوازن بهذا الصدد، الرجل يرى زوجته أجمل وأحن امرأة في العالم والمرأة ترى زوجها كذلك. غير أن ما يعكر الأجواء وخصوصاً بعد إنجاب المرأة للأولاد هي الحساسية المفرطة، فهي تشعر بأنها كلما كبرت وتقدم بها السن تفقد بريقها وهذا تصور خاطئ ولا يمت للواقع بصلة، وفي المقابل فإنها لا ترى الزاوية الأخرى فالرجل أيضاً يكبر في السن والحب والود والتقدير يكبر ايضا في القلوب المحبه وتظل رؤية الرجل لزوجته دائماً بأنها الأجمل، وتكمن المشكلة حينما تبدأ الأوهام في نسج الخيوط التي لا تهدأ ولا تستكين ناهيك عما يقذفه الفضاء من تشويش وبرامج تهدف الى شفط الجيوب، فتارة تفكر في تصغير أنفها وتارة في شد بطنها وأخرى في نفخ صدرها ورابعة في تكبير شفايفها وتدور في هذه الحلقة وهي لا تدرك بأنها الأجمل في عيون زوجها. هذه القياسات المرتبكة في التفكير ليست منطقية وغير دقيقة، فالعلاقة تجاوزت الشكل إلى المضمون الى الارتباط الروحي فهو أحب فيها روحها الجميلة أحبها لأنها تعوضه الكثير من الحنان الذي يفتقده كلما غابت عنه فضلاً عن ذلك فإنه يتذكر البناء الجميل وكيف تأسس هذا البناء بجهود الطرفين، فالمهندس المعماري لا يستطيع إكمال المبنى بدون وجود فريق يكمل بناء ما رسمه على الورق، وإذا كان المعماري يستوحي فكرة التصميم من الجمال فان الزوج يستوحي فكرة الحياة السعيدة من جمال الروح للزوجة لهندسة تصميم الحياة الزوجية أي أن مفهوم الشراكة الفاعلة يجسده حب كل طرف للآخر ويترجمه احترام كل طرف للآخر، يجسده الثقة بأن الإنجاز تم بجهود الطرفين وكل يقدر هذا الأمر فلم كل هذا العناء. كل امرأة على وجه الأرض تملك ما يميزها وكل رجل في هذه الأرض يملك ما يميزه، فالرجل تشبع نهمه الميزة التي بالمرأة التي هي الأخرى تجد الميزة التي تبحث عنها، ليظلل هذه العلاقة الرباط المقدس والحب الذي لا تلبث أنهاره أن تسري في الأحاسيس، لتتدفق المشاعر وتضخ مزيداً من الود والتآلف والوئام ويشكل التقارب المعنوي جسراً صلباً يعبر من خلاله الأبناء إلى آفاق الترجمة الحقيقية لمعنى الحب والحياة والتضحية وكيف تُبنى الأجيال في هذا الإطار الجميل الجذاب واستقاء القيمة الجميلة الخالدة من ديننا الحنيف الذي يعتني بالأسرة وتنمية العلاقة على الود والرحمة، فقدان البريق أو نحو ذلك لايمت للواقع بصلة وأبصم بالعشرة بأن هذا الإحساس ناتج ربما عن الشح العاطفي إن جاز التعبير من قبل الرجل، بمعنى أن المرأة تستطيع التعبير وترجمة عواطفها بيسر وسهولة بحكم تكوينها، والرجل مقل في التعبير ولكنه يكنه في صدره وأن لم يعبر عنه. إن طبيعة المجتمع الشرقي ربما تكون جافة نوعاً ما لأسباب قد ترتبط بالبيئة ولايعبر الرجل عن احاسيسه في هذه الناحية ولكنه يحفظ كثيراً من الحب والاحترام لأم عياله ، وأكبر مثال على ذلك عندما تمرض الزوجة فتجده مشغول البال (ومعتفس) لأنها الحضن الدافئ الذي يحتويه هو وعياله ولأن الدور الذي تلعبه الزوجة لايمكن ان تعوضه اعتى الخادمات، نعم نحن الرجال نستطيع التغيير حينما نتسلح بالشجاعة الأدبية حينما نضخ المزيد من العبارات الجميلة في المفاصل حينما نعبر عن مشاعرنا بصدق ووفاء وليست المعضلة في عدم توافر المادة أو بالأحرى الكلام الجميل المعبر، فقد تجد الواحد منا يحفظ الأشعار ويقرأ النثر الجميل عن الحب ومفعوله السحري في تنمية الروابط ( ويربط لسانه فرامل امام زوجته ) هذا الكبرياء المزعوم يخل بالمروءة وينال من الشهامة وفي تقديري فإن التغيير يتطلب جرأة خلاقة وقيل (لا شيء أرق من القوة الحقيقية ولا أقوى من الكلمة الرقيقة) فالكلمة الرقيقة تسمو بالروح في آفاق من الود والتلاحم والوئام. كل مانحتاجه هو ترجمة المشاعر واعتقد ان كثيرين تجد مشاعرهم جميلة ودودة ولكنهم لايجيدون تمريرها ، كل مافي الامر في اعتقادي هو التعود والاكثار من الكلام الجميل وترديده حتى لو كنت لوحدك ، لأن الوقت سيحين لتفرج عن هذه المشاعر حينئذ ستشعر براحة عميقة لانها ستتجدد وتتحرر من قبضة قسوة المشاعر التي فرضت حصاراً وهمياً بائساً، واذا كنت ترى خلاف ذلك فمالك الا ان تعرض مشاعرك للتقبيل واخشى ان تذهب الى السوبرماركت في يوم ما وتجد علبة انيقة كتب عليها ( مشاعر معلبة ) والادهى من ذلك هي الجملة المكتوبة في اسفل العلبة ( رج العلبة جيدا قبل الاستعمال ) لأن المشاعر مشتتة مبعثرة مخبوصة وغير مترابطة، هذه الأنفة في غير مكانها او بالمعنى الدارج ( عنطزة ) ولكنه الواقع الذي اعتقد بإذن الله بأنه سيتبدل متى ماخففنا من زحمة الأنانية وشوفة النفس. سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال (اجتناب الريب وإصلاح المال والقيام بحوائج الأهل) وحوائج الأهل لا تقتصر على الأمور المادية بل المعنوية أيضاً من أحاسيس جميلة لتعبر من خلال القول كلمات عذبة رقراقة تتدفق مروءة ونبلاً وشهامة في حين ان التواد والتراحم يشكلان محور ارتكاز التواصل ، كل ما هو مطلوب المبادرة في التغيير شيئاً فشياً من خلال التعاطي بأريحية ومن دون تكلف، إنه العطاء بإحساس وهذا ما نفتقده وسنجده بحول الله وقوته والتجربة خير برهان .