مثل عرافة قديمة، وضع حلمي أحلامه في موقد الهواجس، وذراني رماداً.. لن تلمّ أوصالي نسوغ الريح.. ولربما، وحدها، إيقاعات السماء، تختلس يقيني، وتوزعه لازورداً على القصائد.. مُخيّلتئذٍ، سأكون البحيرة والموسيقا والبجع.. ولن يطلّ من الأبد، سوى، ريش أبيض وأسود، ما زال يهطل... هو الأثر الذي لا يذوب مع الفصول، والثلوج، والماضي.. وهو وحده، الذي يؤلّف من الغياب معزوفة لا تغيب، ولا تظهر على بشر ولا جان، ويختبئ في جذورها الزمان.. فبأيّ ألحان الرماد يشكّ الرماد؟ وبأيّة بصيرة تفتتح الحدوس شموسها لولا حدسي؟ رميت الأشعة الفضية على الكلمة النارية، فأصبح الماء ذهبياً، غالية خوجة وتأرجح الشروق بالغروب، ورنّت هواجس من تحتها هواجس من فوقها هواجس.. وأتى الكون مرةً واحدة وإلى الأبد، أتى الكون، مثل طفلة تحبو على الريح.. أو، مثل عرافة البجع، ما زالت تضع النار في حلمي، وتذرو الكلامَ رماداً.. فأنبت بحيرةً وبجعاً وموسيقا وعرافةً ورماداً، وأنبتُ من جديد.. لن أكرر ما فعله الفينيق.. ولا ما أضمرتْه صورة المعنى، ولا ما تألفه الرؤى... وعدتُ، كأنني ما أتيتُ... عدتُ لأتكوّن مثل الماء في النار، أتكوّن من جديد... يا أيها العابر إلى قصيدتي، خذ حفنةَ نارٍ، واقتربْ من الموسيقا، لعلّ البحيرةَ تخطف ظلَّكَ، ولا تبوح به للعرافة القديمة، ولا يصل إليك الزمان، من جديد.. هل ترى كهفاً من لآلئ الذاكرة؟ إذا لمحتَ صواعدَ الريح، ونوازلَ الحلم، فاعلمْ أنك تغوص في روحك أكثر، واعلمْ أن البجعَ ليسَ إلاّ صوتك الآتي، أو وعيك الساكن في أعمق حركة، فافتح نوافذَ الريح لتطلّ مثل القصيدة من كهف جديد... تركض الأمطار، تركض الكواكبُ، تركضُ البحار، تركض الأكوان، تركض المعاني.. ولا أحد منها يصل إلى رمادي الذي ينتثر، ينتشر، وينمو من جديد.. ويحَ الذي يغتابه المجهول، ويشي به المستحيل، ولا يصل إلى قراءة كفّ الفضاء، أو تهجئة لغاتٍ، لا تتقنها إلاّ نبضات لم تشُبها عتمة، بل تتناسل أشعةً من حدوس، وبصائرَ، وسرائرَ، تخادعني بأنها عرافة قديمة، تحزمُ الألهبةَ، وتقلبُ موقدَ الهواجس، فلا يبدو رمادي، إلا وقد عاد أشعةً من جديد.. أيها العابر من قصيدتي، خذْ حفنةَ موسيقا، وابذرْها في النار، لعلك تقرأ طالَعَ العرافة، فتشي بالمجهول، وتغتابُ المستحيل.. وبأية بصيرة تتلاطمُ الإشراقاتُ لولا بصيرتي؟