قريباً، من نيران تصير كلمات، من كلمات تصير ماء، من ماء يصير غياباً، نسيتُني في حضوري، ولم أكترث، ببنفسج يصير موسيقا، بموسيقا تصير حرائقي، وتابعتُ الاشتعال، فرأيتُ العواصف وطناً، والمطرَ بوصلة، والموجَ أولَ أسمائي.. غاباتٌ كثيفة من المعاني، تتبعني، لا الصحراء تغادر نوارسَها، لا الرمالُ تتخلّى عن خطواتي.. ولا البرق يهجر عظامي.. لهُ الكبرياء، من أوقدَ اللغة، وجعلني حطباً للشعر... بعيداً، عن فواصل الرماد، تماماً، في مجمرة الكون، ما زلتُ طيوراً تزفّ الأسئلة.. سنابلي، مثل شموسي وحدوسي، لا تكترث بتضاريس الوقت.. وحلمي، مثل روحي، يجهل الخيانة.. وحدها الصخور طيبةُ القلب، تحنو على شرودي وعزلتي، تحزم الغيوم، تتلصص على الهسيس، وتذروني رموزاً لا مرئية.. ألذلك تغار مني الأبدية، يغار "آخيل"، فيتبع أثري، وينسى "جلجامش" عشبته في أغنيتي الراحلة؟ لسماءٍ ترتدي صمتي، أورثتُ مخيلتي، ولأرضٍ تظن الوجودَ شكوكاً، أمطرتُ ظلي، فنبتت أشعة اليقين، ارتديتُ أكفانَ اليخضور، وصرتُ مجاهيل الدهشة، واحتمالاتٍ من سجّيل.. من يقطفْ هذيانَ المحيطات، يقرأْ سرّ التكوين.. ومن يحصدْ ذاكرةَ ما سيأتي، يدركْ كيف تصير النيران كلمات.. والكلماتُ، صيرورةً من إيقاعات لا تبدأ ولا تنتهي.. من أخبر التحولات أن تتهجّأ نغماتي، ومن أوصى التراتيل بالمكوث في المتغيّر؟ هل أومأ الهاجس الحاضر للهاجس الماضي، وإلاّ، لما خطفني، وغابَ الآتي.. وإلاّ، لما تفتّقت المجراتُ مراكبَ، وهامت شطحتي في كل ذرّة.. ولما أنجبتْ ضوءاً تكتحل به شموس القصائد، وتعبر إليه فصولٌ لا تذوب.. كم على مرايا الوقت، أن تكسر الوقت، ليبدو وقتٌ ناشز عن الوقت.. هل تجد في لحظاته سوى روحك وروحي؟ لا تدعْ آثارَ الغيب تنصهر وحيدة، ولا تتخلّى عن آلامك إلاّ لأشجار السماء.. أليست وحدها تسبح في "ليس" لتلتقي بما هو خارج "ليس"؟ لا عليك، فقط، انتبه لروح "ابن عربي"، لتبصر كيف تهجو العناصر من لا يسبقها، وتزغرد إذا ما اقتربتَ منها الأشدّ إشراقاً.. لا تتهيّبْ، فالرؤيا الأكثر نزيفاً تغيظ البقاء.. وكذا، من يصير مع الكلمات ناراً، أشجاراً، وأقاويلَ ماء.. لعلك الآن، موسيقا تتسرب من الغموض، وتنتثر في باطن كل صورة.. هل أصبحت الآن مرآة لتلك الهيولى؟ إذن، كنْ نيراناً تصير أزلاً يصير موسيقا تصير بنفسجاً يصير حرائقي.. له الكبرياء، من أوقد الشعرَ، وجعلني مجامرَهُ المحيرة.. ***